بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
القائد الشهيد وديع حداد
صفحة 1 من اصل 1
القائد الشهيد وديع حداد
الشهيد القائد : , وديع حداد
ولد الشهيد وديع حداد في مدينة صفد في العام 1927 ، وكان والده يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في مدينة حيفا ، وبحكم وجود والده في مدينة حيفا فقد تلقي تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في هذه المدينة ، وأثناء وجوده على مقاعد الدراسة بمراحلها المختلفة تميّز الشهيد وديع بذكائه المتقد ونشاطيته المميزة وتفوقه في مادة الرياضيات ، كما أنه كان شابا رياضياً يمارس رياضة الجري وأنشطة رياضية أخري.
ونتيجة للمأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة النكبة عام 48 ، اضطر الشهيد وديع للهجرة من وطنه ولجوئه مع عائلته ووالده إلي مدينة بيروت حيث استقر بهم المآل هناك ، وفي هذه الأثناء التحق وديع بمقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية ليدرس الطب.
لقد ولّدت النكبة داخل الشهيد وديع شعوراً عالياً بالمسؤولية تجاه شعبه وقضيته التي إزدادت مأساوية علي ضوء النكبة ، الأمر الذي عكس نفسه علي اهتماماته وتوجهاته المستقبلية ، ودفعت به باتجاه الإنخراط الفعلي في الفعل الوطني الكفاحي للشعب الفلسطيني ، وقد تجلّت بواكير هذه التوجهات خلال انخراطه وهو ما يزال علي مقاعد الدراسة في اغاثة أبناء شعبه المشردين جراء النكبة ، ولاحقاً عبر انخراطه في جمعية "العروة الوثقي" التي بدأت بلعب دور سياسي بعد انخراط الشباب القومي المتحمس للعمل السياسي بها ، وتولي الشهيد وديع موقعاً قيادياً في هذه الجمعية.
وما أن أعلن عن تشكيل "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل" والتي تم تشكيلها من قبل "الشباب العربي القومي" تصدّر الشهيد وديع الأنشطة السياسية التي كانت تقوم بها هذه الهيئة كعضو قيادي فيها ، وكانت هذه الهيئة تقوم بأنشطة عديدة لمناهضة الصلح تمثلت بالمظاهرات والمنشورات ، إلى جانب دورية "الثأر" ، ويمكن القول أن الشهيد وديع بدأ عمله السياسي كمحترف وقائد سياسي وجماهيري بعد تخرجه كطبيب من الجامعة الأمريكية وانتقاله إلى ساحة الأردن والتحاقه برفيق دربه الدكتور جورج حبش الذي كان قد سبقه إلي هناك ، ليشكلا معاً العيادة المجانية إلي جانب عيادتيهما ، معتبرين نشاطهما الأساسي والرئيسي ، النشاط الوطني والقومي وليس الطبي.
وفي سبيل تعميق وتجذير التوجه الذي اختطّاه في العيادة الطبية ، قاما بإنشاء صفوف تدريس لمحو الأمية لكبار السن ، كما استطاعا وعبر رفاق أردنيين أعضاء في الحركة النفاذ إلي نادي "المنتدى العربي" واعتباره أحد المنابر التي أنطلق نشاط الحركة من خلاله.
وقد تتوجت تلك التوجهات ببلورة نواة كحركة القوميين العرب في الأردن ، استطاعت وبزمن قياسي أن تساهم بشكل أساسي في المواجهات التي خاضتها الحركة الوطنية الأردنية في مواجهة "تمبلر" ومشروع حلف بغداد وإسقاط حكومة هزاع المجالي وتالياً تدريب قيادة الجيش رحيل كلوب باشا ، وقد مثلت هذه التوجهات بداية نهوض وطني عام في الأردن.
وعلي ضوء هذه المعارك والمواجهات والدور الملموس الذي لعبته الحركة خلالها ، أصبحت تحظي بدور وسمعة جماهيرية عالية وكبيرة ، وبرز الشهيد وديع بوصفه الدينامو المحرك والموجه لفعلها الميداني المتنامي.
لكن النظام الأردني لم يسلم بالهزيمة التي لحقت به ، وقام بهجوم معاكس تمثل بانقلابه الأسود في نيسان عام 1957 ضد حكومة النابلسي الوطنية ، واتبعها بحملة اعتقالات واسعة طالت رموز وقيادات الحركة الوطنية ونشطائها ، وكان من ضمن الذين ألقي القبض عليهم الدكتور وديع الذي أودع في المعتقل الصحراوي المعروف "بسجن الجفر".
ومكث الدكتور وديع حداد ثلاث سنوات في معتقل الجفر الصحراوي ، وبعد جهود مكثفة أفرجت السلطات الأردنية عنه ، وخلال وجوده في المعتقل مثل الدكتور وديع نموذجاً وقدوة لكافة القوي ، ولم ينس رسالته الإنسانية والجماهيرية ، حيث قام وخلال سجنه بإغاثة وعلاج أبناء العشائر البدوية المقيمين في المنطقة بشكل طوعي ومجاني.
التحق الدكتور وديع فوراً بمقر الحركة في دمشق بعد تحرره ، وهناك وعلي ضوء العلاقة الجيدة بين الحركة وقيادة الجمهورية العربية المتحدة وعبد الناصر ، ونظراً لاندماجه في المواضيع العملية ، انخرط في دورة عسكرية في دمشق وكان المسئول الأول عن هذه الدورة ، ولاحقاً أسندت له الحركة مسؤولية العمل الفلسطيني والذي كان حتى ذلك الوقت ممثلاً برأس قيادي في إطار الحركة ولم يكن فرعاً متكاملاً.
وعلي ضوء عملية الانفصال التي حصلت بين مصر وسوريا ، انتقل وديع الى بيروت واستمر في تولي مسؤوليته القيادية للجانب الفلسطيني ، وفي مرحلة لاحقة تولي مسؤولية العمل العسكري لكل فروع حركة القوميين العرب حيثما تواجدت ، حيث أسندت له مهمة الإعداد للعمل الفدائي فلسطينياً وعربياً (اليمن - ليبيا - وأقطار أخري) وعلي المستوي الفلسطيني كان الشهيد وديع من أكثر المتحمسين لبدء العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني.
وجاءت هزيمة حزيران 1967 لتزيد اندفاعته وحماسه في ممارسة الكفاح المسلح ، خصوصاً وبعدما تأكد عجز الأنظمة العربية وقصور برامجها ، وكان الشهيد وديع مشدوداً لإنشاء جبهة فلسطينية كاملة تضم كل القوى المسلحة على الساحة الفلسطينية علي شاكلة الجبهة التي تشكلت في الجزائر ، ولإخراج هذه الفكرة إلي حيز الوجود الفعلي ، قام الشهيد وديع مندوباً عن الحركة بفتح حوار مع كل من حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية ، و "طلائع حرب التحرير الشعبية" (الصاعقة) وفشلت المحاولة بسبب موقف قيادة فتح من مسألة الجبهة الوطنية.
وفي ظل الأجواء الملبدة بغيوم الهزيمة العربية الرسمية في حزيران 67 ، وفي ظل الشعور المتزايد لدي قيادة حركة القوميين العرب أن النضال القومي قد غيّب الخاص الفلسطيني ، فقد اتجهت الجهود نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين ، عبر تبنيها لأشكال نضال ووسائل كفاحية تتخطي وتتجاوز الأشكال والأساليب التى اتبعتها الأنظمة العربية الرسمية ، والتي ثبت عجزها علي مواجهة التوسع الصهيوني واسترداد فلسطين ، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية القومية الناصرية.
ومنذ التأسيس تولي الدكتور وديع مهمات قيادية أساسية جداً في الجبهة حيث أسندت له مهمتان رئيسيتان هما المالية والعمل العسكري الخارجي ، وأثبت الرفيق الشهيد من خلالهما قدرات قيادية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير ، حيث جسد شعار "وراء العدو في كل مكان" بطريقة فاعلة.
ومهما تكن وجهات النظر التي طرحت سابقاً وربما تطرح الآن بخصوص هذا الشكل الكفاحي ، فإن العمليات العسكرية التي نفذتها الجبهة ، والخط التكتيكى العسكري الذي قاده الرفيق الشهيد وديع كانت في حينه ضرورة من ضرورات إشهار القضية الفلسطينية وتعريف العالم بقضية هذا الشعب ومعاناته جراء الغزوة الصهيونية الغاشمة التي شردته من أرضه ووطنه ورمت به في شتات الأرض ومخيمات اللجوء المختلفة.
لسنوات مضت قبل استشهاد وديع عاشت قيادة الجبهة مع الشهيد خلافاً تنظيمياً تلمس رفاق الشهيد د. وديع حداد الدور الكفاحي الذي لعبه علي المستويين الوطني والقومي ، وأعاد المؤتمر الوطني الخامس الاعتبار التنظيمي له ، باعتباره رمزاً وطنياً وفلسطينياً فذاً قدم كل شئ في سبيل فلسطين التي حلم وعمل دائماً من أجل الوصول إليها بأقرب الآجال وبأقصر الطرق.
استشهد في عام 1978 في ألمانيا الشرقية.
====================================================
قصة الرفيق القائد الشهيد الذي هز العالم و جعل اسم فلسطين يتردد في كل بيت ويرعب كل محتل او مستبد الشهيد الرفيق القائد وديع حداد
الزمان :
28 اذار 1978
المكان : مستشفى الشرطة في برلين الشرقية .
يئس الاطباء واعلنوا عجزهم .. يئس القلب من المقاومة وخان .. استراح الرجل الذي لايرتاح . لم يكن الطبيب - المريض غافلا عن خطورة حالته . عبثا حاول أن يعاند . أن يقنع الموت بمنحه بعض الوقت . حسرة القائد يلدغه القدر في اوج معركته ، خيبة الملاكم يتنكر له النبض قبل استكمال تسديد الضربات ، بكى رفيقه في الاخطار والاهوال . بكر الموت ... قال خطفه في الخمسين . ظلم القدر من افنى ايامه في مطاردة الظلم الذي لحق بشعبه .
لم يكن يخشى الموت .. كان يعرف أن جائزة من يسلك ذاك الطريق الزنزانة أو القبر ، لكنه كان يحلم بإرجاء الرقاد المديد . التوقيت غير مناسب فعلا ، لا يزال الاطفال يولدون في المخيمات ويسمون لاجئين ، لاتزال تلك البلاد أسيرة ، ولا يزال المحتل يستكمل جراحاته لتغيير ملامحها وتزوير وثائق تاريخها ومستقبلها .
الدكتور وديع حداد ..
بكى رفيقه في الاخطار ، هجم عليه شريط الذكريات .. الدوريات الاولى الى الاراضي المحتلة ، أول الرصاص واول الشهداء ، حق الضحية في اختيار أسلوب مقاومة جلادها ، الطائرات الى " مطار الثورة" وعملية اللد وعملية أوبك وعملية عنبتي وعملية مقديشو . ومطاردة طائرات "العال" في كل مطار و"وراء العدو في كل مكان" .
التجوال الدائم بين المقرات السرية في بيروت . والمواعيد المتنقلة بين بغداد وعدن ومقديشو . الاستطلاع واختيار الاهداف وإعداد الوثائق والمنفذين والساعة صفر . في ذلك اليوم وفي المستشفى البعيد بكت زوجته وحفنة الخلص الذين شهدوا الاغماضة الاخيرة ، وفي أماكن كثيرة بكى كثيرون ، رفاقه في المجال الخارجي خسروا قائدا كان "مدرسة في نكران الذات" وحزن رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتذكره رفاقه في حركة القوميين العرب . حزن عليه شباب المخيمات ، وبكى ثوار من أصقاع كثيرة وفدوا اليه ، تعلموا وتدربوا ، وتركوا في العواصم دويا وسع دائرة المعركة ، صاروا يتامى ، كارلوس الذي كان اسمه سالم يقيم اليوم في السجن ، "ومريم" اليابانية في السجن أيضا ، تبدد الشمل وتغير العالم ، لم يكن واردا أن يرتاح ابن صفد في تراب صفد ، فلا هو ينام تحت علم الاحتلال ولا الاخير يطمئن الى ساكن القبر ، كان يبحث عن وطنه والان يبحث عن أشبار في الغربة .
العمل في المنفى والقبر كما العمل .
وفي 31 مارس "اذار" ووري في بغداد .
عندما اختار وديع حداد العمل السري ، لاعتقاده انه الانجع في إيذاء العدو ، ألزم نفسه ورفاقه القواعد الصارمة لهذا العمل ، والتعاون مع اي فصيل تحكمه حدود واضحة ، كانت الفاعلية هي الهاجس ، ومن اجلها أسقط الرجل من حسابه لعبة الصفوف الامامية ، وبريق المواكب والصالونات ، ومتعة الابتسام امام العدسات ، لم يدل بحديث صحفي ولم يترك مذكرات وحين غاب اصطحب معه غابة أسراره .
وشاءت الاقدار ان يمتد عالم الاسرار الى موته نفسه ، فحتى الساعة لا يزال الجميع يعتقدون انه مات مسموما .
أخذ وديع أسراره معه .. وحفظت النواة الصلبة من رفاقه السر ، فقد تشربت روحية القائد وأسلوبه . ضاعف صمت العارفين الغموض .
لم يتسلل احد الى قلعة الاسرار ، فجاءت كل الروايات ناقصة ، أو خاطئة أو معادية مقتصرة على جانب وحيد من شخصية الرجل ، الذي تتخطى تجربته خطف الطائرات ورعاية كارلوس والفصائل الثورية ، فقصته جزء من قصة شعبه وقصة المنطقة .
حبش والطائرات واوبك
بعد ثلاث وعشرين عاما على غيابه ، بقيت أسئلة كثيرة بلا إجابات
لماذا سلك الطريق الذي سلكه ؟
ما قصة إقامته في سجن الجفر الاردني ؟
وماذا فعل هناك ؟
لماذا بكر في الرهان على العمل المسلح ؟
وكيف نجح في خطف د.جورج حبش الذي كان معتقلا في سورية؟
وما قصة العلاقة بين الرجلين ؟
ومتى وقع الافتراق ؟
لماذا خطف الطائرات ؟
ولماذا اوبك واللد وعنبتي ومقديشو؟
ماهي علاقته بكارلوس ؟
وماذا دار في اللقاء الاخير بينهما؟
لماذا خانه سياد بري؟
وهل التقى فعلا يوري اندربوف وماذا دار بينهما؟ وماذا طلب كل منهما من الاخر؟
ما قصة مصنع الوثائق ؟
كيف كان يعيش؟
من دون ان ننسى ان نسأل السؤال هل مات مسموما ؟
يزعم هذا التحقيق انه يجيب عن هذه الاسئلة
من حق القارئ علينا ان نروي قصة التحقيق .. في العام 1995 رى مع الدكتور ور حبش ، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، حوار طويل . كان حبش كعادته على عادته جريئا ونبيلا ، وينتزع تقدير من يتفق معه واحترام من يختلف ، سئل الدكتور حبش عن وديع حداد وعلاقته به وذكراه ، صمت الرجل قليلا ، وطفا الحزن على وجهه ثم اجهش في البكاء المشحون بألم ظاهر ، ودفع الامر مرافق حبش الى الحضور من الغرفة المجاورة ، وتمنى عليه مغادرة الصالون ، ففعل ليعود بعد دقائق موضحا : " ان وديع حاضر في عقلي وقلبي " ماجرى بقي عالقا في الذهن . علاقة حميمة واستثنائية ربطت الرجلين ، وإن اسلوب العمل أدى الى تباعد بينهما .
وسيظهر هذا التحقيق عمق هذه العلاقة ، ثم تباين وجهات النظر في اواسط السبعينات وصولا الى العتاب المرير الذي اختلط بالدموع في فندق بغداد في 1976 . كان ذلك اللقاء الاخير بينهما ، ففي اللقاء التالي في 1978 سيقف حبش لرثاء رفيق كفاحه ودربه .
قبل عامين وفي ذكرى عملية اوبك التي حصلت في 21 \12\1975 برز السؤال :
الى متى تبقى هذه العملية غامضة وعرضة لتضارب الروايات الناقصة ؟ ولماذا لانحاول الوصول الى اللاعبين الاساسيين فيها ؟
لكن كارلوس في السجن الان ، وزيارته ممنوعة على الصحافيين لذا كان البحث عن مساعده ، الذي تولى ادارة المفاوضات في بعض المحطات العربية للعملية . ولم تكشف الايام هويته .. بعد شهور تبين ان ذلك الشاب هو انيس نقاش .. الذي اخفى سر مشاركته في عملية اوبك ربع قرن ، امضى منها عشر سنوات في سجن فرنسي لمحاولته اغتيال رئيس الوزراء الايراني السابق شهبور بختيار ، وبعد محاولات عدة ، وافق نقاش على البوح بالسر ، وكشف جوانب غير معروفة من عملية اوبك ومرة جديدة ، ساهمت روايته في اثارة الاهتمام بموضوع وديع حداد .
صورة يتيمة
في سجنه قرأ كارلوس رواية نقاش ، وكانت له عليها ملاحظات ، لكن بعد روايتي نقاش وكارلوس ظلت قصة اوبك وقصص كثيرة اخرى ناقصة ، دون قصة وديع حداد . في العودة الى الارشيف لم نحصل الا على عناوين وردود افعال على عملياته التي هزت العالم ، وفي الكتب التي تحدثت عن الحقبة واحداثها العديد من الاشاعات والتكهنات والسيناريوهات ولكن القليل من المعلومات الاكيدة . بعضهم اختصر قصة الرجل ، وقصرها على تلك المرحلة التي كان يدير فيها كارلوس . البعض الاخر صوره رجلا ارهابيا قاسيا ، يعمل في الظلام ، مشغوفا بخطف الطائرات ، وثمة من نسب اليه اعمالا لا علاقة له بها من قريب او بعيد ، وتعمد تجاهل كونه صاحب قضية ، اولا وأخيرا ، سواء اتفقت مع اسلوبه ام اختلفت
سعينا الى الحصول على صورة جديدة لوديع حداد غير تلك الصورة الوحيدة ، التي تتكرر منذ عقود ، فتبين ان وكالات الانباء والصحف لاتملك غير تلك الصورة اليتيمة .
هل يجوز ان تبقى تجربة وديع حداد محاطة بالغموض او الكتمان ، ومتروكة للكتب الاسرائيلية او الغربية التي تتحدث عن مايستروا الارهاب والارهابيين ؟.
او ليس من حق جيل الانتفاضة وهو وريث التجارب المتراكمة ان يعرف تلك التجربة ؟ او ليس من حق الشباب العربي الذين ولدوا بعد غياب حداد او عشية ذلك الغياب ان يقرأوا قصته بغض النظر عن الاتفاق مع اسلوبه او الاختلاف معه .؟ لكل هذه الاسباب يجري البحث عن وديع حداد في ذاكرة من عرفوه عن قرب .
كان الموضوع صعبا ومنهكا ..
الذين يعرفون القصة بشموليتها حفنة أشخاص بين بعضهم اليوم الاف الكيلومترات ، ولم يكن الوصول سهلا ، فهؤلاء يعيشون بالاسلوب السابق نفسه ، بعيدا عن الاضواء وبعيدا عن البوح . كان لابد من الحصول على أرقام الهواتف وكسر الحذر التقليدي لديهم ، وكان لابد من حوارات متكررة ، خصوصا انه لم يسبق لهم ان سجلوا اما الة تسجيل .
اسلتزم الامر شهورا ورحلات .. وحين وافقوا على التحدث ظهرت عقبة جديدة ، لاصور ولا اسماء ، دار نقاش طويل تبين منه ان ورثة وديع لم يتقاعدوا غداة وفاته ، وان الخوض في الصور والاسماء يرتب تبعات قانونية ، على رغم توقف كل نشاط لهم منذ 1990 ، وتقتضي امانة التسجيل ان هؤلاء يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة ، قاوموا بعد وفاة وديع كل انواع الاغراءات ، ورفضوا التحول الى باعة اسرار ، او وضع خبرتهم في تصرف دول او اجهزة .
هذا التحقيق كتب استنادا الى رواية أقرب الناس الى وديع ، متضمنا على صور خاصة تنشر للمرة الاولى ، واوراق بخط القائد الفلسطيني .
في الشهور الاخيرة من العام 1977 بدات متاعب حداد الصحية خلال وجوده في بغداد ، لم يتوقع الاطباء ان يكون المرض عضالا ، ورجح التشخيص في البداية شكلا من اشكال القرحة ، وكانت العوارض تصب في هذا الاتجاه ، نوبات الالم المعوي الشديد ، وعدم المقدرة على تقبل الغذاء بكل اشكاله ، التقيؤ واستفراغ الدم احيانا ، تشنجات في الجهاز الهضمي ، عاينه أخصائيون في الجهاز الهضمي في بغداد ورجحوا انها القرحة واخضعوه لحمية . عرضوا عليه مجموعة من الادوية فوافق على تناول بعضها ، كان يدقق في الادوية التي ينصح بتناولها ، فقد كان طبيبا ..
استفحال المرض
في يناير ( كانون الثاني ) غادر الى الجزائر واهتم الاطباء بمعالجته ، واجروا له كل الفحوصات اللازمة ، لكن نجله الوحيد هاني ، ولم يكن اتم الخامسة عشرة ، لاحظ حين زاره هناك ان التدهور في صحته كان كبيرا ، تغير رهيب في مظهره وقوته ، استولى الوهن والضعف على جسمه ، لكن وعيه بقي كاملا ، وك>لك قدرته على التركيز . كان مهتما بعدم اظهار الضعف ، لكن صلابة الارادة لاتكفي وحدها لاخفاء التدهور . أغلب الظن انه ادرك كطبيب تفاقم حالته ، لكنه لم يكن يرغب في اظهار ذلك ، تمسك بروتينه اليومي ومتابعة العمل ، وكان يسأل رفاقه الزائرين عن بعض المسائل ، موحيا ان العمل يجب ان يستمر طبيعيا ، كرر له رفاقه اعتقادهم انه يتاخر في الذهاب الى مرحلة علاج اكثر تطورا ..مما يقدم له في الجزائر ، ولعله ادرك ان العلاج الافضل لن يوقف التدهور . انتهت فرصة هاني وعاد الى مدرسته في بغداد .
في اواخر فبراير تزايد التدهور ، وقال الاطباء الجزائريون انهم غير قادرين على القيام بأكثر مم قاموا به
لم يكن من الوارد أبدا نقل وديع حداد الى عاصمة غربية ، او اي مكان غير موثوق بالكامل ، ففي تلك الفترة كان المطلوب رقم واحد على لائحة الموساد واجهزة الامن الغربية ، لهذا اتجهت الانظار الى اوربا الشرقية ، وعلى الرغم من الجفاء الذي كان قائما بين قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحداد ،رتبت القيادة سفره الى المانيا الديمقراطية في بداية مارس نقل الى برلين الشرقية وتوفي في 28 منه .
لدى تاكيد الوفاة ظهر اكثر من راي ، كان راي رفاقه في الجبهة الشعبية وراي رفاقه المقربين أيضا ان يدفن في لبنان ، فهو يحمل الجنسية اللبنانية ، وفي لبنان ثقل فلسطيني كبير ، راى اهله ان تشييعه في لبنان قد يوفر ذريعة لاسرائيل لافتعال المشاكل ، خصوصا ان الوضع كان غير مستقر ، من هنا ظهرت فكرة دفنه خارج لبنان ، كان الخيار بين الجزائر والعراق ، بحكم العلاقة التي كانت تربطه بالبلدين ، ابدى العراقيون استعداد كاملا لدفنه في بغداد وسط مراسم تليق بمكانته واعتمد هذا الخيار .
خلال وجود حداد في المستشفى ، في برلين الشرقية كان نجله هاني يعيش في بغداد مع خالته نصرة التي حضرت للاقامة معه بسبب وجود والدته الى جانب زوجها ، كان الاقارب قد انقطعوا عن زيارة منزل وديع في العاصمة العراقية بسبب صعوبات الانتقال ، فجأة فتح الباب ودخل اقارب وديع وبينهم قيصر شقيق وديع ، كان هاني قبل ذلك قد عرف ان جده لوالده كان مريض ، وشاءت الصدفة ان يموت قبل اسبوع من نجله ، كان قيصر مربيا ويحب الكتب ، وكان هاني مولعا بها ، قال قيصر لهاني : لنذهب الى مكتبك ونر مافيها ، وحين دخلا قال قيصر : ساخبرك نبا غير مفرح : فأجابه هاني اني اتوقع ذلك ، وهذا مؤسف " مشيرا الى غياب جده ، وتبادلا التعازي وعادا الى غرفة الجلوس ، أدرك قيصر ان الاقارب لم يخبروا خالة هاني بوفاة وديع الذي عاصرت السنوات الاولى من تجربته النضالية ، بعد قليل طلب قيصر من هاني العودة للمكتبة وقال له هناك " سابلغك خبرا صعبا واريدك ان تكون قويا وان لاارى دموعك " وابلغه بوفاة ابيه ، ويقول هاني " الغريب ، حين اعود بالذاكرة ، اننا كنا مؤهلين لتحمل الصدمات ، حزنت ولم ابك على رغم الصدمة الكبيرة ، ثم بدات التعازي ومراسم التشيع ، رافق جثمان وديع الى بغداد ، وفد ضم زوجته ورفاقا له ، ولدى وصول الجثمان الى بغداد انتحى مسؤول فلسطيني بارز بأحد رفاقه جانبا ، وقال له : ان وديع مات مسموما ، واشار الى مسؤولية دولة عربية كانت تربطها بالمتحدث علاقة سيئة ،
شارك في مراسم الدفن كثير من المسؤولين العراقيين ، وغالبية اعضاء القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث ، باستثناء الرئيس احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين ، كما شاركت قيادات فلسطينية وممثلون لدول صديقة مثل الجزائر واليمن الجنوبي وليبيا .
"سر" الوفاة
وفي ذكرى الاربعين أقيم في بيروت ، حفل تابيني لحداد شارك فيه قادة الفصائل ، وقادة احزاب " الحركة الوطنية " ، كان المرحوم صلاح خلف " أبوإياد" عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، أحد الخطباء الرئيسيين ، قال: ان مسؤولا في دولة اشتراكية قال له كيف تذهب للمشاركة في تأبين (إرهابي) ورد أبوإياد في كلمته قائلا " اتمنى ان يكون لدينا اكثر من وديع حداد في الحركة الفلسطينية "
منذ وفاة وديع حداد الى اليوم ساد الانطباع بأن حداد قضى مسموما ، لم يكن الامر مجرد اشاعة عابرة ، انها قناعة عدد من المسؤولين الفلسطينيين ومسؤولين في اجهزة امنية عربية وغربية .
وعلى مدار السنوات كانت الروايات تتكرر .
قالت احدى الروايات ، ان حداد كان يمتنع عن تناول الطعام وحتى الشاي ، خارج الاماكن العامة لانه يعرف انه مستهدف من اجهزة كثيرة ، أضافت ان حداد زار يوما مسئولا عراقيا ونزولا عند الحاح الاخير تناول كوبا من الشاي كان كفيلا لاصابته بتسمم بطئ ثم تسارع التدهور .
قالت رواية اخرى أن حداد اصيب بوعكة صحية عادية اضطر خلالها الى الخضوع لفحوص وعلاجات ، وان طبيبا تولى تسميمه ، وان ذلك ربما حصل في المحطة الجزائرية في رحلته الاخيرة .
وذكرت رواية ثالثة : ان حداد تعرض لاشعاعات مركزة في غرفة الانتظار المجاورة كانت كافية لقتله ، دون ان تترك اي اثر يثبت ما تعرض له .
وذهبت رواية رابعة الى ان الموساد الاسرائيلي فشل في العثور على عنوان حداد لاغتياله بالرصاص لكنه نجح في اختراق جهاز امني عربي ورتب عملية التسميم من خلاله .
ومن سجنه قال كارلوس ان حداد قضى مسموما .
تكاثرت الروايات وراجت ومال كثيرون الى تصديقها وكانت لعض ناشريها مصلحة في الترويج ، مرة لتصفية حساب مع الجهة المتهمة بقتل القائد الفلسطيني ومرة اخرى لادعاء معرفة اسرار لايعرفها كثيرون ، ومع مرور السنوات رسخ في الاذهان ان حداد مات مسموما ، خصوصا ان عائلته التزمت منذ غيابه صمتا كاملا ، وان رفاقه الاقرب امتنعوا حتى صدور هذا التحقيق عن التحدث الى وسائل الاعلام .
سألنا هاني وديع حداد عن الروايات حول وفاة والده مسموما ، مارواه كارلوس ، من ان الذين قتلوا والده هم انفسهم الذين قتلوا هواري بومدين ، فأجاب " لاأستطيع ان اجزم ، الافتراضات كثيرة وتدخل فيها محاولات الصاق التهم والقاء المسؤولية على هذا الطرف او ذاك ، ليس هناك دليل قاطع ، لا أستطيع ان أؤكد او ان انفي " وعما قاله الاطباء في المانيا الشرقية قال : وفق ما اذكر لم يكن هناك تاكيد لحصول عملية تسمم ، شكوا في مادة معينة ، يشاع انها تستخدم بكثرة في عمليات التسميم اعتقد انها " الثاليوم " لم يعثروا على مخلفات واضحة لهذه المادة في دمه او في الانسجة ، يجب ان لاننسى ، انه كان قد تناول كميات كبيرة من الادوية ، ليست هناك ادلة قاطعة على حصول عملية تسمم ، لكن هناك كلام كثير ، بما في ذلك قول انه تعرض للاسلوب نفسه الذي استخدم في تسميم بومدين ، وهذا الكلام لايقدم دليلا قاطعا ، هناك روايات انه سمم بالاشعاعات وان هذا الاشعاع هو الذي حفز السرطان في جسمه .
أحد ابرز عمليات التشخيص لوفاته ، كان سرطان الدم الذي أدى الى نزيف داخلي بلغ الدماغ وقتله ، سمعت روايات كثيرة وقرأت بعض ما نشر في المجلات والكتب ، الكاتب الامريكي ديفيد ايغناتيوس كتب : أن أبو حسن سلامة على اتصال بمصدر في السي اي ايه وجاء في الكتاب ان أبو حسن سلامة ابلغ المصدر ان والدي تعرض خلال وجوده في العراق لاشعاعات مركزة ، لم ارد الدخول في لعبة التكهنات والاتهامات خصوصا ان الادلة القاطعة غائبة .
الرفيق - الشاهد
طرح السؤال نفسه على رفيق ، كان مقربا جدا من حداد كما كان على اتصال بالاطباء الالمان الشرقيين إبان العلاج ، فأجاب :" التحاليل الطبية قالت انه أصيب بنوع من اللوكيميا - سرطان الدم ، انتشر خبر تسميمه فترة وشاع ، الحقيقة لم يثبت لدينا أن وديع مات مسموما ، أجريت الفحوصات الممكنة ، وتمت التحريات الممكنة في حدود المتاح ، ولم يظهر ما يشير الى مسألة التسميم أو يؤكدها . وعما اذا كان الاطباء في برلين الشرقية تحدثوا عن ما يشير الى عملية تسميم ، قال :" بصراحة لم يكن تقديرهم واضحا " سألهم احد الرفاق هل يمكن انقاذه ، لو جاء مبكرا ، فلم يكن الجواب واضحا ، لوحظ ان الاطباء طرحوا أسئلة عدة ، أبرزها : هل كان وديع يتعاطى اعمالا تدخل فيها مواد مشعة ؟ وهل كان يتعاطى صناعة المتفجرات ؟ الواقع انه لم تكن له علاقة بصناعة المتفجرات او المواد المشعة . كان يشدد على اهمية تطوير بعض الاسلحة لكنه شخصيا لم يمارس صناعة المتفجرات .
وسئل اذا كنا نستطيع القول ، أن لدى رفاق وديع قناعة انه لم يمت مسموما ، فأجاب " نعم . أقول في ضوء ما توافر لنا من معلومات ، سألنا عن هذا الموضوع وأجرينا عملية تقاطع للمعلومات الموجودة بما في ذلك مع بعض اجهزة الاستخبارات ، في حدود ما تمكنا فعله ، لم يظهر اي دليل ان وديع مات مسموما
رفيق اخر كان الى جانب وديع في العقدين اللذين سبقا وفاته ، وربطته به علاقة حميمة قال " ان السؤال يعيد فتح جرح قديم ، لاأبالغ ان قلت ان هذا السؤال طاردنا طويلا . ما انتهى اليه الاطباء هو أن وديع أصيب بنوع من سرطان الدم ، لكن أسألتهم أوحت احيانا ان شكوكا تراودهم حول عملية تسميم ، لم يظهر ما يؤكد ذلك ، ولا يمكن الأخذ بالروايات التي انطلقت هنا وهناك ، وإذا شئت صراحة اقول لكم اليوم انه أصيب بسرطان في الدم ، لكن لاتزال لدي بعض الشكوك
حب وزواج
لم تكن سامية نعمة الله حداد ، المدرسة في معهد فلسطين ، في دمشق ، تتوقع حياة مفروشة بالورود ، فالشاب الذي يبادلها الاعجاب والحب منغمس في نشاطات " حركة القوميين العرب " التي شارك في تأسيسها ، ومصاب حتى النخاع بهاجس تحرير فلسطين ، ولم تكن غريبة هذه الاجواء ، جاءت من بيئة وطنية ، وكان زميلها في التدريس غسان كنفاني ، كانت تعرف ان وديع الذي تخرج من الجامعة الامريكية لن يوفر لها العيش الهادئ والهانئ والرفاهية ، وما يطمح ان يوفره لزوجته في تلك الايام ، طبيب تخرج من الجامعة ، ولا غرابة في الممانعة لدى اهالي الاثنين ، اهل وديع تمنوا ان يتفرغ ابنهم للطب ، وركز اوضاعه المعيشية والمالية ، واهل سامية ، من حقهم ان يفكروا في مستقبل ابنتهم ، وفي النهاية انتصرت مشاعر الحب .
وفي 9 ابريل ( نيسان ) 1961 كان الزواج في دمشق ، حيث تقيم عائلة سامية ، وكان من بين الحضور من سيكون لاعمالهم او مواقفهم دوي يتردد في العالم مثيرا رفض فريق واعجاب اخر ، في شقة صغيرة بحجم غرفة كبيرة ، أقام الزوجان ، وبعد اقل من شهر من وقوع الانفصال بين سورية ومصر ، طَلب من وديع ان ينتقل الى لبنان ، ففعل وبعد شهور تبعته زوجته ، وأقاما في المنزل الذي لا تزال تقيم فيه في بيروت .
ومنذ العرس الى اليوم ، ثمة قصة - طرفة تتردد ، خلال المخاض الذي ادى الى تأسيس حركة القوميين العرب ، اتفق افراد الحلقة الصغيرة المؤسسة على ان لايتصرف اي منهم في مسألة مصيرية ، كالسفر والزواج ، قبل التشاور مع الاخرين ، وثمة من يقول انهم اتفقوا على عدم الزواج قبل تحريرها ، الذ الذي لاينفصل عن معركة قيام الوحدة العربية ، ولدى قيام الوحدة المصرية - السورية في 1958 شعر أفراد هذه المجموعة ان الوحدة اقتربت ، ومعها التحرير ، فاستجاب بعضهم لنداء القلب وتزوجوا . في تلك الايام كان وديع حداد في سجن جفر الاردني ، حيث امضى ثلاث سنوات . حين خرج من السجن راى رفاقه ، وبينهم حبش ، قد تزوجوا أو يستعدون ، فتزوج.
لم تكن لوديع حداد حياة خاصة ، طغى الجانب العام على حياته ، ووقته . كان يعتقد ان تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقه في الحياة الطبيعية ، التي ألغاها الاحتلال ، هدف يستحق ان يضحى من اجله بالحياة الطبيعية
على رغم ذلك كانت الحياة العائلية تعني له الكثير " وحين كان ياتي الى البيت ، كان يتصرف كاي أب ، يضحك ويمزح ويتابع بعض الافلام ، ويسأل عن نتائج الامتحانات والعلامات . لم يكن منقطعا عن الحياة ولكنه كان منغمسا في عمله (..) لم يكن متسلطا ، ولم يكن منقبضا ، كان الجانب العام طاغيا في حياته . لكن حياتنا كانت بسيطة ، وكنا مبسوطين . كانت لديه القدرة على اشاعة السعادة من حوله ، لم يكن انسانا صعبا ، كان سعيدا ، لان اسلوب عيشه ، يصب في خدمة الهدف الذ رسمه لنفسه ".
كان وديع قاسيا على نفسه ، ذهب في الزهد بعيدا .. لايعنيه المال ، إلا بقدر ما هو عصب ضروري للعمل ، لاتعنيه المظاهر . لا احتفالات ولا اطلالات اجتماعية واستعراضية . بساطة في العيش ، وتقشف في المأكل والملبس ، ينطبق عليه ما ينطبق على رفاقه ، والامر نفسه بالنسبة الى العائلة ، لا امتيازات لأحد ، ويوم مات لم يترك لعائلته شيء (باستثناء الارث المعنوي الهائل الذي تعتز به) . مات ولم يمتلك شقة واحدة ، اما المبلغ الزهيد الذي كان في خزنة المجال الخارجي ، يوم غاب فقد انتقل الى التنظيم ، وهنا تلتقي روايات من يعرفون الحقائق والارقام .
سئل هاني حداد : ماذا يعني له أن يكون نجل وديع حداد ؟ فاجاب:
- " لا يمكننني عزل هذا الموضوع عن الجانب الشخصي والحميم فيه ، على رغم معرفتي ، أن الجانب العام ، كان الاساس في حياة وديع حداد وتجربته .
هناك علاقة مركبة ، وخاصة جدا ، في الوقت نفسه ، لاسيما أن حديثنا هذا يأتي بعد فترة غياب طويلة ، لا اعرف اذا كان استخدام تعبير ( ارث وديع حداد ) دقيقا ، لكن هناك بلا شك ، ارث معنوي هائل خلفه كوالد ، وكشخصية عامة ، لم يكن يرغب في اغفال الجانب الخاص في حياته ، لكنه كان حريصا ألا يتغلب على الجانب العام ، الذي أعطاه حياته بكليتها ، كان يؤكد ، دائما على اهمية الجانب العام انطلاقا من قناعته الراسخة بالحالة النضالية التي كان يعيشها .
كانت العلاقة العائلية تعني له الكثير ، والامر نفسه بالنسبة الى الابوة ، غير ان الاساس في حياته وحياتنا ، كان القضية ، فهي كانت الهم الاول . كان هناك تعبير اخلاقي جدا ، كان يستخدمه كتعبير عملي ، وهو جزء أساسي من القدرة على الاداء في المحيط النضالي ، الذي كان يتصور اننا يجب ان نعيش فيه ، ينطلق من أخلاقية نكران الذات . لعل هذه المسألة بالذات من اول المفاتيح لفهم شخصيته ، كان يعيش حالة نكران الذات هذه ، يسعى الى اشاعتها في نفوس من حوله ، وبالممارسة لا بالكلام . أعتقد بأنه نجح تماما . لقد تبين أن من عملوا معه ، تشربوا هذه الروحية ، التي ربما تكون أصيبت بشئ من الضمور بعد غياب النموذج الذي كانت تشع منه.
تهمة الارهاب
وعما يشعر به حين يقرأ مقالا أو كتابا يصف والده ، بانه كان عراب الارهابيين ، قال :
بالنسبة الى الارهاب واضح انه كان موجودا في كل التجارب ، التي كان يوجد فيها طرف قوي مسيطر على طرف ضعيف ، في مثل هذه الحال يضطر الاضعف الى استخدام اساليب غير تقليدية في الرد ، لان الاخر يسحقه ، ولا يترك له اي خيار ، في ادبيات الثورة الروسية ، تحدث لينين عن الارهاب واستخدامه ، ولماذا وأين ؟
خلال الحرب العالمية الثانية ، ألم تستخدم المقاومة الاوربية ضد النازيين أساليب يمكن نعتها بالارهاب ؟ وضعوا عبوات ناسفة في محطات القطار والمطاعم التي يرتادها الالمان . الحركة الصهيونية كان الارهاب من بديهيات وجودها ، كان الارهاب الاكبر ، التحالف غير المعلن بينهم وبين الحركة النازية ، كتبت كتب حول هذا الموضوع . لا اعرف لماذا تم التعتيم عليها . تهمة الارهاب بالنسبة الينا صناعة اعلامية .
" هل تجزم أن الدكتور وديع لم يترك شيئا لعائلته ؟
ترك لنا ذكراه ، وعبره وتجربته ، وهي اثمن عندي من أي شئ ، ولا تقدر بمال . اننا نعيش في ضوء تجربته ودروسها . حين التقي بمن عايشوه أشعر انه كان من الرجال الذين يصنعون الامال ويعملون لتحقيقها ، أنا لا اعتقد أن التجربة الفلسطينية في العقود الماضية ، كانت فاشلة . ما يجري اليوم في الاراضي المحتلة ، يشير الى انها اصابت قدرا من النجاح ، علينا أن نلتفت الى حجدم التحدي المقابل ، التحدي الصهيوني ليس بسيطا .
" هل تعتقد بأن والدك ظلم ؟
كل حياته كانت بمثابة رد فعل على ظلم ، تقصد هل ظلم من قبل " الجبهة الشعبية " بفعل بعض التجاذبات أو الاتهامات ؟ كل هذه الامور لم تكن تعني لوالدي شيئا ، والدليل أنه حتى وفاته لم يكن يعتبر نفسه خارج الجبهة.
" هل كانت لدى والدك مشاعر مرارة؟
كانت لدى والدي مرارة من تجربة الاردن . الاردن يعني له الكثير . أمضى ثلاث سنوات في السجن ، وكانت له تجربة انسانية غنية مع السجناء والسكان المحيطين بالسجن ، وقد حفر مع رفاقه نفقا للهروب لكن الحراس اكتشفوه .
مصدر المرارة التجاوزات التي حصلت بحق السكان ، كان يقول أن جزءا من العدو الذي واجهنا في الاردن هو نحن ، وحتى بالنسبة للبنان كان يعتقد ان نجاح حزب الكتائب في الاستقطاب ورفع درجة الشراسة يعود في جزء منه الى ممارسات المقاومة ، والدي اعتبر ان تجربة المقاومة في لبنان تضمنت أخطاء ، بعضها قاتل ، كان معارضا لفكرة تجييش المقاومة ، اي تحويلها لجيوش نظامية .
" هل كانت لديه مرارة من عمليات خطط لها ولم تنجح ؟
سمعته مرة يقول ، انه بمجرد ان نظهر لهم ( الاعداء) أننا لا نزال نمتلك القدرة على الوصول ، وتخطي الحواجز الامنية ، نعتبر أننا حققنا نجاحا ، وطبعا النجاح بدرجات.
" هل ترك وصية؟
لا لم اسمع بشئ من هذا النوع
" هل تلقيت مثلا ذات يوم رسالة من كارلوس؟
لا كان عمله مفصولا عن عائلته
" هل كان وديع حداد يكره اليهود؟
لا لم يكن يكره اليهود ، كيهود ، اي بسبب انتمائهم الديني ، لكن عليك ان تاخذ بعين الاعتبار ان ما يسمى النضال التحرري الفلسطيني والعربي ، مر في مراحل عدة في وعيه لما يسمى " التحدي الصهيوني " . في احدى الفترات كان الصهيوني مرادفا لليهودي .
في فلسطين تشكل وعي بالخطر الصهيوني بدائيا ، ولكن ليس لدى الكل ، كنت تجد في تلاوين الحركة الوطنية الفلسطينية ، قبل النكبة من كان يسمي الغزو الصهيوني بالصهاينة ، تمييزا لهم عن اليهود ، صفد كانت مجتمعا مختلط ، وكذلك حيفا ، كان هناك يهودا يحملون جوازات بريطانية مكتوبا عليها حكومة فلسطين ، لم تكن المشكلة مع هؤلاء ، المشكلة اتسعت حين ارغمت الصهيونية هؤلاء التوحد معهم أو اجتذبتهم اليها . الحركة الصهيونية تزعم انها حركة قومية ، لهذا تعتمد كثيرا على ظاهرة التجييش وتعتبر ان معسكرها يشمل جميع اليهود ، كان والدي احيانا يستخدم كلمة يهود ، للاشارة الى الصهيونية ، لكنه لم يكن عنصريا معاديا لليهود كيهود
====================================================
اتهام "الموساد"بقتل القيادي الفلسطيني وديع حداد بالشوكولاتة المسمومة
كاتب اسرائيلي يقول إنها كانت اول عملية تصفية بيولوجية
الجمعة ٥ أيار (مايو) ٢٠٠٦
كشف الصحفي الإسرائيلي أهارون كلاين أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) اغتال وديع حداد قائد العمل العسكري الخارجي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بواسطة الشوكولاتة المسمومة في عام 1978 .
وقال أهارون في كتاب جديد له تحت عنوان "حساب مفتوح" إن " إسرائيل قررت تصفية حداد في أعقاب تدبيره اختطاف طائرة إير فرانس إلى عنتيبي في أوغندا في عام 1976م"، وأضافت "أن حداد كان مسؤولا عن سلسلة من العمليات الفدائية وكان شغوفا بالشوكولاتة البلجيكية"، بحسب صحيفة الحياة اللندنية الجمعة، 5-5-2006.
وأشارت الصحيفة إلى (أن خبراء الموساد قاموا بدس مادة بيولوجية سامة تعمل ببطء إلى كمية من الشوكولاتة البلجيكية وأرسلوها إلى حداد بواسطة عميل فلسطيني لدى عودة هذا العميل من أوروبا إلى العراق (حيث أقام حداد في فترة من الفترات). وأوضحت الصحيفة نقلا عن الكتاب "وبعد أن تناول حداد هذه الشوكولاتة تدهورت حالته الصحية مما أدى في نهاية المطاف إلى وفاته في مستشفى في ألمانيا الشرقية عام 1978م".
وبعدما اشار كلاين الى ان عملية التصفية هذه «كانت اول عملية تصفية بيولوجية» تنفذها اسرائيل، قال ان الدولة العبرية التي تصف حداد بـ «الإرهابي المتمرس والمتعدد المواهب» اتهمته بالمسؤولية عن انشاء علاقات بين التنظيمات الفلسطينية و «منظمات ارهابية عالمية»، وانه دعا افرادها للتدرب في لبنان، وكانت إحدى نتائجها قيام «الجيش الأحمر» الياباني بمذبحة في مطار اللد (تل ابيب) العام 1972.
وقال كلاين ان خطف طائرة «اير فرانس» الى عنتيبي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، اذ قرر قادة «موساد» وجهاز المخابرات العسكرية فوراً تصفية حداد. وصادق رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغن على العملية.
تراجع العمليات ضد اسرائيل
وقال الكاتب إنه بعد تصفية حداد، سجل انخفاض حاد في عدد العمليات التي استهدفت اسرائيل في انحاء العالم. وزاد ان «موساد» رأى في عملية التصفية هذه تجسيداً لنظرية «التصفية الوقائية» أو تصفية قنبلة موقوتة تمثلت بـ «دماغ خلاّق لم يتوقف عن التخطيط للعملية المقبلة»، في اشارة الى حداد.
من جانبه ، أعاد الصحافي موشيه رونن، الذي قدم عرضاً هو الأخر للكتاب ، الى الاذهان محاولة اسرائيل تصفية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في عمان ، متسائلاً عن كون الرئيس ياسر عرفات تعرض لتصفية «بسمّ اسرائيلي غامض». لكن المؤلف نفى ذلك، مدعياً ان الأمر لم يخطر على باله وانه لا يعلم شيئاً عن سبب وفاة عرفات.
ويضيف الصحافي ان الكتاب الجديد قد يكون لائحة اتهام ضد اسرائيل، اذ انه باستثناء اثنين او ثلاثة من القياديين الذين اغتيلوا، فإن سائر من استهدفهم «موساد» كانوا من «الصف الثاني» ولم يعرضوا اسرائيل الى الخطر ولم يكونوا ضالعين في عمل ضدها. لكن المؤلف يرى ان من اتخذ القرارات بالتصفية ونفذها رأى في التنفيذ «عملاً مقدساً».
ومن الشخصيات الفلسطينية التي اغتالها جهاز «موساد» المفكر وائل زعيتر الذي ترجم «ألف ليلة وليلة» الى الايطالية، للاشتباه بأنه قائد منظمة «أيلول الاسود» في ايطاليا، ما دفع رئيسة الحكومة في حينه غولدا مئير الى اقرار عملية تصفيته من دون تردد. ومن ضحايا جرائم «موساد» ايضاً عاطف بسيسو الذي اغتيل العام 1992 «انتقاماً» في باريس بدعوى ضلوعه في عملية خطف رياضيين اسرائيليين في اولمبياد ميونيخ العام 1972.
وتابع المؤلف ان معظم عمليات الاغتيال الاخرى نفذت بحجة منع عمليات في المستقبل ضد اهداف اسرائيلية منهم محمد بوديه ممثل وصاحب مسرح في باريس. وقارن المؤلف بين رؤساء حكومات اسرائيل السابقين في مسألة اقرارهم عمليات الاغتيال، ليشير الى ان اسحق شامير رحب بكل طلب للتصفية، لافتاً الى خلفيته كعضو بارز في عصابات «ليحي» الصهيونية. ولم تختلف غولدا مئير كثيراً عنه. في المقابل، اشار الكاتب الى ان اسحق رابين وشمعون بيريز طلبا التدقيق في تفاصيل ملف الشخص المستهدف قبل الموافقة على تصفيته.
ولد الشهيد وديع حداد في مدينة صفد في العام 1927 ، وكان والده يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في مدينة حيفا ، وبحكم وجود والده في مدينة حيفا فقد تلقي تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في هذه المدينة ، وأثناء وجوده على مقاعد الدراسة بمراحلها المختلفة تميّز الشهيد وديع بذكائه المتقد ونشاطيته المميزة وتفوقه في مادة الرياضيات ، كما أنه كان شابا رياضياً يمارس رياضة الجري وأنشطة رياضية أخري.
ونتيجة للمأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة النكبة عام 48 ، اضطر الشهيد وديع للهجرة من وطنه ولجوئه مع عائلته ووالده إلي مدينة بيروت حيث استقر بهم المآل هناك ، وفي هذه الأثناء التحق وديع بمقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية ليدرس الطب.
لقد ولّدت النكبة داخل الشهيد وديع شعوراً عالياً بالمسؤولية تجاه شعبه وقضيته التي إزدادت مأساوية علي ضوء النكبة ، الأمر الذي عكس نفسه علي اهتماماته وتوجهاته المستقبلية ، ودفعت به باتجاه الإنخراط الفعلي في الفعل الوطني الكفاحي للشعب الفلسطيني ، وقد تجلّت بواكير هذه التوجهات خلال انخراطه وهو ما يزال علي مقاعد الدراسة في اغاثة أبناء شعبه المشردين جراء النكبة ، ولاحقاً عبر انخراطه في جمعية "العروة الوثقي" التي بدأت بلعب دور سياسي بعد انخراط الشباب القومي المتحمس للعمل السياسي بها ، وتولي الشهيد وديع موقعاً قيادياً في هذه الجمعية.
وما أن أعلن عن تشكيل "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل" والتي تم تشكيلها من قبل "الشباب العربي القومي" تصدّر الشهيد وديع الأنشطة السياسية التي كانت تقوم بها هذه الهيئة كعضو قيادي فيها ، وكانت هذه الهيئة تقوم بأنشطة عديدة لمناهضة الصلح تمثلت بالمظاهرات والمنشورات ، إلى جانب دورية "الثأر" ، ويمكن القول أن الشهيد وديع بدأ عمله السياسي كمحترف وقائد سياسي وجماهيري بعد تخرجه كطبيب من الجامعة الأمريكية وانتقاله إلى ساحة الأردن والتحاقه برفيق دربه الدكتور جورج حبش الذي كان قد سبقه إلي هناك ، ليشكلا معاً العيادة المجانية إلي جانب عيادتيهما ، معتبرين نشاطهما الأساسي والرئيسي ، النشاط الوطني والقومي وليس الطبي.
وفي سبيل تعميق وتجذير التوجه الذي اختطّاه في العيادة الطبية ، قاما بإنشاء صفوف تدريس لمحو الأمية لكبار السن ، كما استطاعا وعبر رفاق أردنيين أعضاء في الحركة النفاذ إلي نادي "المنتدى العربي" واعتباره أحد المنابر التي أنطلق نشاط الحركة من خلاله.
وقد تتوجت تلك التوجهات ببلورة نواة كحركة القوميين العرب في الأردن ، استطاعت وبزمن قياسي أن تساهم بشكل أساسي في المواجهات التي خاضتها الحركة الوطنية الأردنية في مواجهة "تمبلر" ومشروع حلف بغداد وإسقاط حكومة هزاع المجالي وتالياً تدريب قيادة الجيش رحيل كلوب باشا ، وقد مثلت هذه التوجهات بداية نهوض وطني عام في الأردن.
وعلي ضوء هذه المعارك والمواجهات والدور الملموس الذي لعبته الحركة خلالها ، أصبحت تحظي بدور وسمعة جماهيرية عالية وكبيرة ، وبرز الشهيد وديع بوصفه الدينامو المحرك والموجه لفعلها الميداني المتنامي.
لكن النظام الأردني لم يسلم بالهزيمة التي لحقت به ، وقام بهجوم معاكس تمثل بانقلابه الأسود في نيسان عام 1957 ضد حكومة النابلسي الوطنية ، واتبعها بحملة اعتقالات واسعة طالت رموز وقيادات الحركة الوطنية ونشطائها ، وكان من ضمن الذين ألقي القبض عليهم الدكتور وديع الذي أودع في المعتقل الصحراوي المعروف "بسجن الجفر".
ومكث الدكتور وديع حداد ثلاث سنوات في معتقل الجفر الصحراوي ، وبعد جهود مكثفة أفرجت السلطات الأردنية عنه ، وخلال وجوده في المعتقل مثل الدكتور وديع نموذجاً وقدوة لكافة القوي ، ولم ينس رسالته الإنسانية والجماهيرية ، حيث قام وخلال سجنه بإغاثة وعلاج أبناء العشائر البدوية المقيمين في المنطقة بشكل طوعي ومجاني.
التحق الدكتور وديع فوراً بمقر الحركة في دمشق بعد تحرره ، وهناك وعلي ضوء العلاقة الجيدة بين الحركة وقيادة الجمهورية العربية المتحدة وعبد الناصر ، ونظراً لاندماجه في المواضيع العملية ، انخرط في دورة عسكرية في دمشق وكان المسئول الأول عن هذه الدورة ، ولاحقاً أسندت له الحركة مسؤولية العمل الفلسطيني والذي كان حتى ذلك الوقت ممثلاً برأس قيادي في إطار الحركة ولم يكن فرعاً متكاملاً.
وعلي ضوء عملية الانفصال التي حصلت بين مصر وسوريا ، انتقل وديع الى بيروت واستمر في تولي مسؤوليته القيادية للجانب الفلسطيني ، وفي مرحلة لاحقة تولي مسؤولية العمل العسكري لكل فروع حركة القوميين العرب حيثما تواجدت ، حيث أسندت له مهمة الإعداد للعمل الفدائي فلسطينياً وعربياً (اليمن - ليبيا - وأقطار أخري) وعلي المستوي الفلسطيني كان الشهيد وديع من أكثر المتحمسين لبدء العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني.
وجاءت هزيمة حزيران 1967 لتزيد اندفاعته وحماسه في ممارسة الكفاح المسلح ، خصوصاً وبعدما تأكد عجز الأنظمة العربية وقصور برامجها ، وكان الشهيد وديع مشدوداً لإنشاء جبهة فلسطينية كاملة تضم كل القوى المسلحة على الساحة الفلسطينية علي شاكلة الجبهة التي تشكلت في الجزائر ، ولإخراج هذه الفكرة إلي حيز الوجود الفعلي ، قام الشهيد وديع مندوباً عن الحركة بفتح حوار مع كل من حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية ، و "طلائع حرب التحرير الشعبية" (الصاعقة) وفشلت المحاولة بسبب موقف قيادة فتح من مسألة الجبهة الوطنية.
وفي ظل الأجواء الملبدة بغيوم الهزيمة العربية الرسمية في حزيران 67 ، وفي ظل الشعور المتزايد لدي قيادة حركة القوميين العرب أن النضال القومي قد غيّب الخاص الفلسطيني ، فقد اتجهت الجهود نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين ، عبر تبنيها لأشكال نضال ووسائل كفاحية تتخطي وتتجاوز الأشكال والأساليب التى اتبعتها الأنظمة العربية الرسمية ، والتي ثبت عجزها علي مواجهة التوسع الصهيوني واسترداد فلسطين ، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية القومية الناصرية.
ومنذ التأسيس تولي الدكتور وديع مهمات قيادية أساسية جداً في الجبهة حيث أسندت له مهمتان رئيسيتان هما المالية والعمل العسكري الخارجي ، وأثبت الرفيق الشهيد من خلالهما قدرات قيادية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير ، حيث جسد شعار "وراء العدو في كل مكان" بطريقة فاعلة.
ومهما تكن وجهات النظر التي طرحت سابقاً وربما تطرح الآن بخصوص هذا الشكل الكفاحي ، فإن العمليات العسكرية التي نفذتها الجبهة ، والخط التكتيكى العسكري الذي قاده الرفيق الشهيد وديع كانت في حينه ضرورة من ضرورات إشهار القضية الفلسطينية وتعريف العالم بقضية هذا الشعب ومعاناته جراء الغزوة الصهيونية الغاشمة التي شردته من أرضه ووطنه ورمت به في شتات الأرض ومخيمات اللجوء المختلفة.
لسنوات مضت قبل استشهاد وديع عاشت قيادة الجبهة مع الشهيد خلافاً تنظيمياً تلمس رفاق الشهيد د. وديع حداد الدور الكفاحي الذي لعبه علي المستويين الوطني والقومي ، وأعاد المؤتمر الوطني الخامس الاعتبار التنظيمي له ، باعتباره رمزاً وطنياً وفلسطينياً فذاً قدم كل شئ في سبيل فلسطين التي حلم وعمل دائماً من أجل الوصول إليها بأقرب الآجال وبأقصر الطرق.
استشهد في عام 1978 في ألمانيا الشرقية.
====================================================
قصة الرفيق القائد الشهيد الذي هز العالم و جعل اسم فلسطين يتردد في كل بيت ويرعب كل محتل او مستبد الشهيد الرفيق القائد وديع حداد
الزمان :
28 اذار 1978
المكان : مستشفى الشرطة في برلين الشرقية .
يئس الاطباء واعلنوا عجزهم .. يئس القلب من المقاومة وخان .. استراح الرجل الذي لايرتاح . لم يكن الطبيب - المريض غافلا عن خطورة حالته . عبثا حاول أن يعاند . أن يقنع الموت بمنحه بعض الوقت . حسرة القائد يلدغه القدر في اوج معركته ، خيبة الملاكم يتنكر له النبض قبل استكمال تسديد الضربات ، بكى رفيقه في الاخطار والاهوال . بكر الموت ... قال خطفه في الخمسين . ظلم القدر من افنى ايامه في مطاردة الظلم الذي لحق بشعبه .
لم يكن يخشى الموت .. كان يعرف أن جائزة من يسلك ذاك الطريق الزنزانة أو القبر ، لكنه كان يحلم بإرجاء الرقاد المديد . التوقيت غير مناسب فعلا ، لا يزال الاطفال يولدون في المخيمات ويسمون لاجئين ، لاتزال تلك البلاد أسيرة ، ولا يزال المحتل يستكمل جراحاته لتغيير ملامحها وتزوير وثائق تاريخها ومستقبلها .
الدكتور وديع حداد ..
بكى رفيقه في الاخطار ، هجم عليه شريط الذكريات .. الدوريات الاولى الى الاراضي المحتلة ، أول الرصاص واول الشهداء ، حق الضحية في اختيار أسلوب مقاومة جلادها ، الطائرات الى " مطار الثورة" وعملية اللد وعملية أوبك وعملية عنبتي وعملية مقديشو . ومطاردة طائرات "العال" في كل مطار و"وراء العدو في كل مكان" .
التجوال الدائم بين المقرات السرية في بيروت . والمواعيد المتنقلة بين بغداد وعدن ومقديشو . الاستطلاع واختيار الاهداف وإعداد الوثائق والمنفذين والساعة صفر . في ذلك اليوم وفي المستشفى البعيد بكت زوجته وحفنة الخلص الذين شهدوا الاغماضة الاخيرة ، وفي أماكن كثيرة بكى كثيرون ، رفاقه في المجال الخارجي خسروا قائدا كان "مدرسة في نكران الذات" وحزن رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتذكره رفاقه في حركة القوميين العرب . حزن عليه شباب المخيمات ، وبكى ثوار من أصقاع كثيرة وفدوا اليه ، تعلموا وتدربوا ، وتركوا في العواصم دويا وسع دائرة المعركة ، صاروا يتامى ، كارلوس الذي كان اسمه سالم يقيم اليوم في السجن ، "ومريم" اليابانية في السجن أيضا ، تبدد الشمل وتغير العالم ، لم يكن واردا أن يرتاح ابن صفد في تراب صفد ، فلا هو ينام تحت علم الاحتلال ولا الاخير يطمئن الى ساكن القبر ، كان يبحث عن وطنه والان يبحث عن أشبار في الغربة .
العمل في المنفى والقبر كما العمل .
وفي 31 مارس "اذار" ووري في بغداد .
عندما اختار وديع حداد العمل السري ، لاعتقاده انه الانجع في إيذاء العدو ، ألزم نفسه ورفاقه القواعد الصارمة لهذا العمل ، والتعاون مع اي فصيل تحكمه حدود واضحة ، كانت الفاعلية هي الهاجس ، ومن اجلها أسقط الرجل من حسابه لعبة الصفوف الامامية ، وبريق المواكب والصالونات ، ومتعة الابتسام امام العدسات ، لم يدل بحديث صحفي ولم يترك مذكرات وحين غاب اصطحب معه غابة أسراره .
وشاءت الاقدار ان يمتد عالم الاسرار الى موته نفسه ، فحتى الساعة لا يزال الجميع يعتقدون انه مات مسموما .
أخذ وديع أسراره معه .. وحفظت النواة الصلبة من رفاقه السر ، فقد تشربت روحية القائد وأسلوبه . ضاعف صمت العارفين الغموض .
لم يتسلل احد الى قلعة الاسرار ، فجاءت كل الروايات ناقصة ، أو خاطئة أو معادية مقتصرة على جانب وحيد من شخصية الرجل ، الذي تتخطى تجربته خطف الطائرات ورعاية كارلوس والفصائل الثورية ، فقصته جزء من قصة شعبه وقصة المنطقة .
حبش والطائرات واوبك
بعد ثلاث وعشرين عاما على غيابه ، بقيت أسئلة كثيرة بلا إجابات
لماذا سلك الطريق الذي سلكه ؟
ما قصة إقامته في سجن الجفر الاردني ؟
وماذا فعل هناك ؟
لماذا بكر في الرهان على العمل المسلح ؟
وكيف نجح في خطف د.جورج حبش الذي كان معتقلا في سورية؟
وما قصة العلاقة بين الرجلين ؟
ومتى وقع الافتراق ؟
لماذا خطف الطائرات ؟
ولماذا اوبك واللد وعنبتي ومقديشو؟
ماهي علاقته بكارلوس ؟
وماذا دار في اللقاء الاخير بينهما؟
لماذا خانه سياد بري؟
وهل التقى فعلا يوري اندربوف وماذا دار بينهما؟ وماذا طلب كل منهما من الاخر؟
ما قصة مصنع الوثائق ؟
كيف كان يعيش؟
من دون ان ننسى ان نسأل السؤال هل مات مسموما ؟
يزعم هذا التحقيق انه يجيب عن هذه الاسئلة
من حق القارئ علينا ان نروي قصة التحقيق .. في العام 1995 رى مع الدكتور ور حبش ، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، حوار طويل . كان حبش كعادته على عادته جريئا ونبيلا ، وينتزع تقدير من يتفق معه واحترام من يختلف ، سئل الدكتور حبش عن وديع حداد وعلاقته به وذكراه ، صمت الرجل قليلا ، وطفا الحزن على وجهه ثم اجهش في البكاء المشحون بألم ظاهر ، ودفع الامر مرافق حبش الى الحضور من الغرفة المجاورة ، وتمنى عليه مغادرة الصالون ، ففعل ليعود بعد دقائق موضحا : " ان وديع حاضر في عقلي وقلبي " ماجرى بقي عالقا في الذهن . علاقة حميمة واستثنائية ربطت الرجلين ، وإن اسلوب العمل أدى الى تباعد بينهما .
وسيظهر هذا التحقيق عمق هذه العلاقة ، ثم تباين وجهات النظر في اواسط السبعينات وصولا الى العتاب المرير الذي اختلط بالدموع في فندق بغداد في 1976 . كان ذلك اللقاء الاخير بينهما ، ففي اللقاء التالي في 1978 سيقف حبش لرثاء رفيق كفاحه ودربه .
قبل عامين وفي ذكرى عملية اوبك التي حصلت في 21 \12\1975 برز السؤال :
الى متى تبقى هذه العملية غامضة وعرضة لتضارب الروايات الناقصة ؟ ولماذا لانحاول الوصول الى اللاعبين الاساسيين فيها ؟
لكن كارلوس في السجن الان ، وزيارته ممنوعة على الصحافيين لذا كان البحث عن مساعده ، الذي تولى ادارة المفاوضات في بعض المحطات العربية للعملية . ولم تكشف الايام هويته .. بعد شهور تبين ان ذلك الشاب هو انيس نقاش .. الذي اخفى سر مشاركته في عملية اوبك ربع قرن ، امضى منها عشر سنوات في سجن فرنسي لمحاولته اغتيال رئيس الوزراء الايراني السابق شهبور بختيار ، وبعد محاولات عدة ، وافق نقاش على البوح بالسر ، وكشف جوانب غير معروفة من عملية اوبك ومرة جديدة ، ساهمت روايته في اثارة الاهتمام بموضوع وديع حداد .
صورة يتيمة
في سجنه قرأ كارلوس رواية نقاش ، وكانت له عليها ملاحظات ، لكن بعد روايتي نقاش وكارلوس ظلت قصة اوبك وقصص كثيرة اخرى ناقصة ، دون قصة وديع حداد . في العودة الى الارشيف لم نحصل الا على عناوين وردود افعال على عملياته التي هزت العالم ، وفي الكتب التي تحدثت عن الحقبة واحداثها العديد من الاشاعات والتكهنات والسيناريوهات ولكن القليل من المعلومات الاكيدة . بعضهم اختصر قصة الرجل ، وقصرها على تلك المرحلة التي كان يدير فيها كارلوس . البعض الاخر صوره رجلا ارهابيا قاسيا ، يعمل في الظلام ، مشغوفا بخطف الطائرات ، وثمة من نسب اليه اعمالا لا علاقة له بها من قريب او بعيد ، وتعمد تجاهل كونه صاحب قضية ، اولا وأخيرا ، سواء اتفقت مع اسلوبه ام اختلفت
سعينا الى الحصول على صورة جديدة لوديع حداد غير تلك الصورة الوحيدة ، التي تتكرر منذ عقود ، فتبين ان وكالات الانباء والصحف لاتملك غير تلك الصورة اليتيمة .
هل يجوز ان تبقى تجربة وديع حداد محاطة بالغموض او الكتمان ، ومتروكة للكتب الاسرائيلية او الغربية التي تتحدث عن مايستروا الارهاب والارهابيين ؟.
او ليس من حق جيل الانتفاضة وهو وريث التجارب المتراكمة ان يعرف تلك التجربة ؟ او ليس من حق الشباب العربي الذين ولدوا بعد غياب حداد او عشية ذلك الغياب ان يقرأوا قصته بغض النظر عن الاتفاق مع اسلوبه او الاختلاف معه .؟ لكل هذه الاسباب يجري البحث عن وديع حداد في ذاكرة من عرفوه عن قرب .
كان الموضوع صعبا ومنهكا ..
الذين يعرفون القصة بشموليتها حفنة أشخاص بين بعضهم اليوم الاف الكيلومترات ، ولم يكن الوصول سهلا ، فهؤلاء يعيشون بالاسلوب السابق نفسه ، بعيدا عن الاضواء وبعيدا عن البوح . كان لابد من الحصول على أرقام الهواتف وكسر الحذر التقليدي لديهم ، وكان لابد من حوارات متكررة ، خصوصا انه لم يسبق لهم ان سجلوا اما الة تسجيل .
اسلتزم الامر شهورا ورحلات .. وحين وافقوا على التحدث ظهرت عقبة جديدة ، لاصور ولا اسماء ، دار نقاش طويل تبين منه ان ورثة وديع لم يتقاعدوا غداة وفاته ، وان الخوض في الصور والاسماء يرتب تبعات قانونية ، على رغم توقف كل نشاط لهم منذ 1990 ، وتقتضي امانة التسجيل ان هؤلاء يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة ، قاوموا بعد وفاة وديع كل انواع الاغراءات ، ورفضوا التحول الى باعة اسرار ، او وضع خبرتهم في تصرف دول او اجهزة .
هذا التحقيق كتب استنادا الى رواية أقرب الناس الى وديع ، متضمنا على صور خاصة تنشر للمرة الاولى ، واوراق بخط القائد الفلسطيني .
في الشهور الاخيرة من العام 1977 بدات متاعب حداد الصحية خلال وجوده في بغداد ، لم يتوقع الاطباء ان يكون المرض عضالا ، ورجح التشخيص في البداية شكلا من اشكال القرحة ، وكانت العوارض تصب في هذا الاتجاه ، نوبات الالم المعوي الشديد ، وعدم المقدرة على تقبل الغذاء بكل اشكاله ، التقيؤ واستفراغ الدم احيانا ، تشنجات في الجهاز الهضمي ، عاينه أخصائيون في الجهاز الهضمي في بغداد ورجحوا انها القرحة واخضعوه لحمية . عرضوا عليه مجموعة من الادوية فوافق على تناول بعضها ، كان يدقق في الادوية التي ينصح بتناولها ، فقد كان طبيبا ..
استفحال المرض
في يناير ( كانون الثاني ) غادر الى الجزائر واهتم الاطباء بمعالجته ، واجروا له كل الفحوصات اللازمة ، لكن نجله الوحيد هاني ، ولم يكن اتم الخامسة عشرة ، لاحظ حين زاره هناك ان التدهور في صحته كان كبيرا ، تغير رهيب في مظهره وقوته ، استولى الوهن والضعف على جسمه ، لكن وعيه بقي كاملا ، وك>لك قدرته على التركيز . كان مهتما بعدم اظهار الضعف ، لكن صلابة الارادة لاتكفي وحدها لاخفاء التدهور . أغلب الظن انه ادرك كطبيب تفاقم حالته ، لكنه لم يكن يرغب في اظهار ذلك ، تمسك بروتينه اليومي ومتابعة العمل ، وكان يسأل رفاقه الزائرين عن بعض المسائل ، موحيا ان العمل يجب ان يستمر طبيعيا ، كرر له رفاقه اعتقادهم انه يتاخر في الذهاب الى مرحلة علاج اكثر تطورا ..مما يقدم له في الجزائر ، ولعله ادرك ان العلاج الافضل لن يوقف التدهور . انتهت فرصة هاني وعاد الى مدرسته في بغداد .
في اواخر فبراير تزايد التدهور ، وقال الاطباء الجزائريون انهم غير قادرين على القيام بأكثر مم قاموا به
لم يكن من الوارد أبدا نقل وديع حداد الى عاصمة غربية ، او اي مكان غير موثوق بالكامل ، ففي تلك الفترة كان المطلوب رقم واحد على لائحة الموساد واجهزة الامن الغربية ، لهذا اتجهت الانظار الى اوربا الشرقية ، وعلى الرغم من الجفاء الذي كان قائما بين قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحداد ،رتبت القيادة سفره الى المانيا الديمقراطية في بداية مارس نقل الى برلين الشرقية وتوفي في 28 منه .
لدى تاكيد الوفاة ظهر اكثر من راي ، كان راي رفاقه في الجبهة الشعبية وراي رفاقه المقربين أيضا ان يدفن في لبنان ، فهو يحمل الجنسية اللبنانية ، وفي لبنان ثقل فلسطيني كبير ، راى اهله ان تشييعه في لبنان قد يوفر ذريعة لاسرائيل لافتعال المشاكل ، خصوصا ان الوضع كان غير مستقر ، من هنا ظهرت فكرة دفنه خارج لبنان ، كان الخيار بين الجزائر والعراق ، بحكم العلاقة التي كانت تربطه بالبلدين ، ابدى العراقيون استعداد كاملا لدفنه في بغداد وسط مراسم تليق بمكانته واعتمد هذا الخيار .
خلال وجود حداد في المستشفى ، في برلين الشرقية كان نجله هاني يعيش في بغداد مع خالته نصرة التي حضرت للاقامة معه بسبب وجود والدته الى جانب زوجها ، كان الاقارب قد انقطعوا عن زيارة منزل وديع في العاصمة العراقية بسبب صعوبات الانتقال ، فجأة فتح الباب ودخل اقارب وديع وبينهم قيصر شقيق وديع ، كان هاني قبل ذلك قد عرف ان جده لوالده كان مريض ، وشاءت الصدفة ان يموت قبل اسبوع من نجله ، كان قيصر مربيا ويحب الكتب ، وكان هاني مولعا بها ، قال قيصر لهاني : لنذهب الى مكتبك ونر مافيها ، وحين دخلا قال قيصر : ساخبرك نبا غير مفرح : فأجابه هاني اني اتوقع ذلك ، وهذا مؤسف " مشيرا الى غياب جده ، وتبادلا التعازي وعادا الى غرفة الجلوس ، أدرك قيصر ان الاقارب لم يخبروا خالة هاني بوفاة وديع الذي عاصرت السنوات الاولى من تجربته النضالية ، بعد قليل طلب قيصر من هاني العودة للمكتبة وقال له هناك " سابلغك خبرا صعبا واريدك ان تكون قويا وان لاارى دموعك " وابلغه بوفاة ابيه ، ويقول هاني " الغريب ، حين اعود بالذاكرة ، اننا كنا مؤهلين لتحمل الصدمات ، حزنت ولم ابك على رغم الصدمة الكبيرة ، ثم بدات التعازي ومراسم التشيع ، رافق جثمان وديع الى بغداد ، وفد ضم زوجته ورفاقا له ، ولدى وصول الجثمان الى بغداد انتحى مسؤول فلسطيني بارز بأحد رفاقه جانبا ، وقال له : ان وديع مات مسموما ، واشار الى مسؤولية دولة عربية كانت تربطها بالمتحدث علاقة سيئة ،
شارك في مراسم الدفن كثير من المسؤولين العراقيين ، وغالبية اعضاء القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث ، باستثناء الرئيس احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين ، كما شاركت قيادات فلسطينية وممثلون لدول صديقة مثل الجزائر واليمن الجنوبي وليبيا .
"سر" الوفاة
وفي ذكرى الاربعين أقيم في بيروت ، حفل تابيني لحداد شارك فيه قادة الفصائل ، وقادة احزاب " الحركة الوطنية " ، كان المرحوم صلاح خلف " أبوإياد" عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، أحد الخطباء الرئيسيين ، قال: ان مسؤولا في دولة اشتراكية قال له كيف تذهب للمشاركة في تأبين (إرهابي) ورد أبوإياد في كلمته قائلا " اتمنى ان يكون لدينا اكثر من وديع حداد في الحركة الفلسطينية "
منذ وفاة وديع حداد الى اليوم ساد الانطباع بأن حداد قضى مسموما ، لم يكن الامر مجرد اشاعة عابرة ، انها قناعة عدد من المسؤولين الفلسطينيين ومسؤولين في اجهزة امنية عربية وغربية .
وعلى مدار السنوات كانت الروايات تتكرر .
قالت احدى الروايات ، ان حداد كان يمتنع عن تناول الطعام وحتى الشاي ، خارج الاماكن العامة لانه يعرف انه مستهدف من اجهزة كثيرة ، أضافت ان حداد زار يوما مسئولا عراقيا ونزولا عند الحاح الاخير تناول كوبا من الشاي كان كفيلا لاصابته بتسمم بطئ ثم تسارع التدهور .
قالت رواية اخرى أن حداد اصيب بوعكة صحية عادية اضطر خلالها الى الخضوع لفحوص وعلاجات ، وان طبيبا تولى تسميمه ، وان ذلك ربما حصل في المحطة الجزائرية في رحلته الاخيرة .
وذكرت رواية ثالثة : ان حداد تعرض لاشعاعات مركزة في غرفة الانتظار المجاورة كانت كافية لقتله ، دون ان تترك اي اثر يثبت ما تعرض له .
وذهبت رواية رابعة الى ان الموساد الاسرائيلي فشل في العثور على عنوان حداد لاغتياله بالرصاص لكنه نجح في اختراق جهاز امني عربي ورتب عملية التسميم من خلاله .
ومن سجنه قال كارلوس ان حداد قضى مسموما .
تكاثرت الروايات وراجت ومال كثيرون الى تصديقها وكانت لعض ناشريها مصلحة في الترويج ، مرة لتصفية حساب مع الجهة المتهمة بقتل القائد الفلسطيني ومرة اخرى لادعاء معرفة اسرار لايعرفها كثيرون ، ومع مرور السنوات رسخ في الاذهان ان حداد مات مسموما ، خصوصا ان عائلته التزمت منذ غيابه صمتا كاملا ، وان رفاقه الاقرب امتنعوا حتى صدور هذا التحقيق عن التحدث الى وسائل الاعلام .
سألنا هاني وديع حداد عن الروايات حول وفاة والده مسموما ، مارواه كارلوس ، من ان الذين قتلوا والده هم انفسهم الذين قتلوا هواري بومدين ، فأجاب " لاأستطيع ان اجزم ، الافتراضات كثيرة وتدخل فيها محاولات الصاق التهم والقاء المسؤولية على هذا الطرف او ذاك ، ليس هناك دليل قاطع ، لا أستطيع ان أؤكد او ان انفي " وعما قاله الاطباء في المانيا الشرقية قال : وفق ما اذكر لم يكن هناك تاكيد لحصول عملية تسمم ، شكوا في مادة معينة ، يشاع انها تستخدم بكثرة في عمليات التسميم اعتقد انها " الثاليوم " لم يعثروا على مخلفات واضحة لهذه المادة في دمه او في الانسجة ، يجب ان لاننسى ، انه كان قد تناول كميات كبيرة من الادوية ، ليست هناك ادلة قاطعة على حصول عملية تسمم ، لكن هناك كلام كثير ، بما في ذلك قول انه تعرض للاسلوب نفسه الذي استخدم في تسميم بومدين ، وهذا الكلام لايقدم دليلا قاطعا ، هناك روايات انه سمم بالاشعاعات وان هذا الاشعاع هو الذي حفز السرطان في جسمه .
أحد ابرز عمليات التشخيص لوفاته ، كان سرطان الدم الذي أدى الى نزيف داخلي بلغ الدماغ وقتله ، سمعت روايات كثيرة وقرأت بعض ما نشر في المجلات والكتب ، الكاتب الامريكي ديفيد ايغناتيوس كتب : أن أبو حسن سلامة على اتصال بمصدر في السي اي ايه وجاء في الكتاب ان أبو حسن سلامة ابلغ المصدر ان والدي تعرض خلال وجوده في العراق لاشعاعات مركزة ، لم ارد الدخول في لعبة التكهنات والاتهامات خصوصا ان الادلة القاطعة غائبة .
الرفيق - الشاهد
طرح السؤال نفسه على رفيق ، كان مقربا جدا من حداد كما كان على اتصال بالاطباء الالمان الشرقيين إبان العلاج ، فأجاب :" التحاليل الطبية قالت انه أصيب بنوع من اللوكيميا - سرطان الدم ، انتشر خبر تسميمه فترة وشاع ، الحقيقة لم يثبت لدينا أن وديع مات مسموما ، أجريت الفحوصات الممكنة ، وتمت التحريات الممكنة في حدود المتاح ، ولم يظهر ما يشير الى مسألة التسميم أو يؤكدها . وعما اذا كان الاطباء في برلين الشرقية تحدثوا عن ما يشير الى عملية تسميم ، قال :" بصراحة لم يكن تقديرهم واضحا " سألهم احد الرفاق هل يمكن انقاذه ، لو جاء مبكرا ، فلم يكن الجواب واضحا ، لوحظ ان الاطباء طرحوا أسئلة عدة ، أبرزها : هل كان وديع يتعاطى اعمالا تدخل فيها مواد مشعة ؟ وهل كان يتعاطى صناعة المتفجرات ؟ الواقع انه لم تكن له علاقة بصناعة المتفجرات او المواد المشعة . كان يشدد على اهمية تطوير بعض الاسلحة لكنه شخصيا لم يمارس صناعة المتفجرات .
وسئل اذا كنا نستطيع القول ، أن لدى رفاق وديع قناعة انه لم يمت مسموما ، فأجاب " نعم . أقول في ضوء ما توافر لنا من معلومات ، سألنا عن هذا الموضوع وأجرينا عملية تقاطع للمعلومات الموجودة بما في ذلك مع بعض اجهزة الاستخبارات ، في حدود ما تمكنا فعله ، لم يظهر اي دليل ان وديع مات مسموما
رفيق اخر كان الى جانب وديع في العقدين اللذين سبقا وفاته ، وربطته به علاقة حميمة قال " ان السؤال يعيد فتح جرح قديم ، لاأبالغ ان قلت ان هذا السؤال طاردنا طويلا . ما انتهى اليه الاطباء هو أن وديع أصيب بنوع من سرطان الدم ، لكن أسألتهم أوحت احيانا ان شكوكا تراودهم حول عملية تسميم ، لم يظهر ما يؤكد ذلك ، ولا يمكن الأخذ بالروايات التي انطلقت هنا وهناك ، وإذا شئت صراحة اقول لكم اليوم انه أصيب بسرطان في الدم ، لكن لاتزال لدي بعض الشكوك
حب وزواج
لم تكن سامية نعمة الله حداد ، المدرسة في معهد فلسطين ، في دمشق ، تتوقع حياة مفروشة بالورود ، فالشاب الذي يبادلها الاعجاب والحب منغمس في نشاطات " حركة القوميين العرب " التي شارك في تأسيسها ، ومصاب حتى النخاع بهاجس تحرير فلسطين ، ولم تكن غريبة هذه الاجواء ، جاءت من بيئة وطنية ، وكان زميلها في التدريس غسان كنفاني ، كانت تعرف ان وديع الذي تخرج من الجامعة الامريكية لن يوفر لها العيش الهادئ والهانئ والرفاهية ، وما يطمح ان يوفره لزوجته في تلك الايام ، طبيب تخرج من الجامعة ، ولا غرابة في الممانعة لدى اهالي الاثنين ، اهل وديع تمنوا ان يتفرغ ابنهم للطب ، وركز اوضاعه المعيشية والمالية ، واهل سامية ، من حقهم ان يفكروا في مستقبل ابنتهم ، وفي النهاية انتصرت مشاعر الحب .
وفي 9 ابريل ( نيسان ) 1961 كان الزواج في دمشق ، حيث تقيم عائلة سامية ، وكان من بين الحضور من سيكون لاعمالهم او مواقفهم دوي يتردد في العالم مثيرا رفض فريق واعجاب اخر ، في شقة صغيرة بحجم غرفة كبيرة ، أقام الزوجان ، وبعد اقل من شهر من وقوع الانفصال بين سورية ومصر ، طَلب من وديع ان ينتقل الى لبنان ، ففعل وبعد شهور تبعته زوجته ، وأقاما في المنزل الذي لا تزال تقيم فيه في بيروت .
ومنذ العرس الى اليوم ، ثمة قصة - طرفة تتردد ، خلال المخاض الذي ادى الى تأسيس حركة القوميين العرب ، اتفق افراد الحلقة الصغيرة المؤسسة على ان لايتصرف اي منهم في مسألة مصيرية ، كالسفر والزواج ، قبل التشاور مع الاخرين ، وثمة من يقول انهم اتفقوا على عدم الزواج قبل تحريرها ، الذ الذي لاينفصل عن معركة قيام الوحدة العربية ، ولدى قيام الوحدة المصرية - السورية في 1958 شعر أفراد هذه المجموعة ان الوحدة اقتربت ، ومعها التحرير ، فاستجاب بعضهم لنداء القلب وتزوجوا . في تلك الايام كان وديع حداد في سجن جفر الاردني ، حيث امضى ثلاث سنوات . حين خرج من السجن راى رفاقه ، وبينهم حبش ، قد تزوجوا أو يستعدون ، فتزوج.
لم تكن لوديع حداد حياة خاصة ، طغى الجانب العام على حياته ، ووقته . كان يعتقد ان تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقه في الحياة الطبيعية ، التي ألغاها الاحتلال ، هدف يستحق ان يضحى من اجله بالحياة الطبيعية
على رغم ذلك كانت الحياة العائلية تعني له الكثير " وحين كان ياتي الى البيت ، كان يتصرف كاي أب ، يضحك ويمزح ويتابع بعض الافلام ، ويسأل عن نتائج الامتحانات والعلامات . لم يكن منقطعا عن الحياة ولكنه كان منغمسا في عمله (..) لم يكن متسلطا ، ولم يكن منقبضا ، كان الجانب العام طاغيا في حياته . لكن حياتنا كانت بسيطة ، وكنا مبسوطين . كانت لديه القدرة على اشاعة السعادة من حوله ، لم يكن انسانا صعبا ، كان سعيدا ، لان اسلوب عيشه ، يصب في خدمة الهدف الذ رسمه لنفسه ".
كان وديع قاسيا على نفسه ، ذهب في الزهد بعيدا .. لايعنيه المال ، إلا بقدر ما هو عصب ضروري للعمل ، لاتعنيه المظاهر . لا احتفالات ولا اطلالات اجتماعية واستعراضية . بساطة في العيش ، وتقشف في المأكل والملبس ، ينطبق عليه ما ينطبق على رفاقه ، والامر نفسه بالنسبة الى العائلة ، لا امتيازات لأحد ، ويوم مات لم يترك لعائلته شيء (باستثناء الارث المعنوي الهائل الذي تعتز به) . مات ولم يمتلك شقة واحدة ، اما المبلغ الزهيد الذي كان في خزنة المجال الخارجي ، يوم غاب فقد انتقل الى التنظيم ، وهنا تلتقي روايات من يعرفون الحقائق والارقام .
سئل هاني حداد : ماذا يعني له أن يكون نجل وديع حداد ؟ فاجاب:
- " لا يمكننني عزل هذا الموضوع عن الجانب الشخصي والحميم فيه ، على رغم معرفتي ، أن الجانب العام ، كان الاساس في حياة وديع حداد وتجربته .
هناك علاقة مركبة ، وخاصة جدا ، في الوقت نفسه ، لاسيما أن حديثنا هذا يأتي بعد فترة غياب طويلة ، لا اعرف اذا كان استخدام تعبير ( ارث وديع حداد ) دقيقا ، لكن هناك بلا شك ، ارث معنوي هائل خلفه كوالد ، وكشخصية عامة ، لم يكن يرغب في اغفال الجانب الخاص في حياته ، لكنه كان حريصا ألا يتغلب على الجانب العام ، الذي أعطاه حياته بكليتها ، كان يؤكد ، دائما على اهمية الجانب العام انطلاقا من قناعته الراسخة بالحالة النضالية التي كان يعيشها .
كانت العلاقة العائلية تعني له الكثير ، والامر نفسه بالنسبة الى الابوة ، غير ان الاساس في حياته وحياتنا ، كان القضية ، فهي كانت الهم الاول . كان هناك تعبير اخلاقي جدا ، كان يستخدمه كتعبير عملي ، وهو جزء أساسي من القدرة على الاداء في المحيط النضالي ، الذي كان يتصور اننا يجب ان نعيش فيه ، ينطلق من أخلاقية نكران الذات . لعل هذه المسألة بالذات من اول المفاتيح لفهم شخصيته ، كان يعيش حالة نكران الذات هذه ، يسعى الى اشاعتها في نفوس من حوله ، وبالممارسة لا بالكلام . أعتقد بأنه نجح تماما . لقد تبين أن من عملوا معه ، تشربوا هذه الروحية ، التي ربما تكون أصيبت بشئ من الضمور بعد غياب النموذج الذي كانت تشع منه.
تهمة الارهاب
وعما يشعر به حين يقرأ مقالا أو كتابا يصف والده ، بانه كان عراب الارهابيين ، قال :
بالنسبة الى الارهاب واضح انه كان موجودا في كل التجارب ، التي كان يوجد فيها طرف قوي مسيطر على طرف ضعيف ، في مثل هذه الحال يضطر الاضعف الى استخدام اساليب غير تقليدية في الرد ، لان الاخر يسحقه ، ولا يترك له اي خيار ، في ادبيات الثورة الروسية ، تحدث لينين عن الارهاب واستخدامه ، ولماذا وأين ؟
خلال الحرب العالمية الثانية ، ألم تستخدم المقاومة الاوربية ضد النازيين أساليب يمكن نعتها بالارهاب ؟ وضعوا عبوات ناسفة في محطات القطار والمطاعم التي يرتادها الالمان . الحركة الصهيونية كان الارهاب من بديهيات وجودها ، كان الارهاب الاكبر ، التحالف غير المعلن بينهم وبين الحركة النازية ، كتبت كتب حول هذا الموضوع . لا اعرف لماذا تم التعتيم عليها . تهمة الارهاب بالنسبة الينا صناعة اعلامية .
" هل تجزم أن الدكتور وديع لم يترك شيئا لعائلته ؟
ترك لنا ذكراه ، وعبره وتجربته ، وهي اثمن عندي من أي شئ ، ولا تقدر بمال . اننا نعيش في ضوء تجربته ودروسها . حين التقي بمن عايشوه أشعر انه كان من الرجال الذين يصنعون الامال ويعملون لتحقيقها ، أنا لا اعتقد أن التجربة الفلسطينية في العقود الماضية ، كانت فاشلة . ما يجري اليوم في الاراضي المحتلة ، يشير الى انها اصابت قدرا من النجاح ، علينا أن نلتفت الى حجدم التحدي المقابل ، التحدي الصهيوني ليس بسيطا .
" هل تعتقد بأن والدك ظلم ؟
كل حياته كانت بمثابة رد فعل على ظلم ، تقصد هل ظلم من قبل " الجبهة الشعبية " بفعل بعض التجاذبات أو الاتهامات ؟ كل هذه الامور لم تكن تعني لوالدي شيئا ، والدليل أنه حتى وفاته لم يكن يعتبر نفسه خارج الجبهة.
" هل كانت لدى والدك مشاعر مرارة؟
كانت لدى والدي مرارة من تجربة الاردن . الاردن يعني له الكثير . أمضى ثلاث سنوات في السجن ، وكانت له تجربة انسانية غنية مع السجناء والسكان المحيطين بالسجن ، وقد حفر مع رفاقه نفقا للهروب لكن الحراس اكتشفوه .
مصدر المرارة التجاوزات التي حصلت بحق السكان ، كان يقول أن جزءا من العدو الذي واجهنا في الاردن هو نحن ، وحتى بالنسبة للبنان كان يعتقد ان نجاح حزب الكتائب في الاستقطاب ورفع درجة الشراسة يعود في جزء منه الى ممارسات المقاومة ، والدي اعتبر ان تجربة المقاومة في لبنان تضمنت أخطاء ، بعضها قاتل ، كان معارضا لفكرة تجييش المقاومة ، اي تحويلها لجيوش نظامية .
" هل كانت لديه مرارة من عمليات خطط لها ولم تنجح ؟
سمعته مرة يقول ، انه بمجرد ان نظهر لهم ( الاعداء) أننا لا نزال نمتلك القدرة على الوصول ، وتخطي الحواجز الامنية ، نعتبر أننا حققنا نجاحا ، وطبعا النجاح بدرجات.
" هل ترك وصية؟
لا لم اسمع بشئ من هذا النوع
" هل تلقيت مثلا ذات يوم رسالة من كارلوس؟
لا كان عمله مفصولا عن عائلته
" هل كان وديع حداد يكره اليهود؟
لا لم يكن يكره اليهود ، كيهود ، اي بسبب انتمائهم الديني ، لكن عليك ان تاخذ بعين الاعتبار ان ما يسمى النضال التحرري الفلسطيني والعربي ، مر في مراحل عدة في وعيه لما يسمى " التحدي الصهيوني " . في احدى الفترات كان الصهيوني مرادفا لليهودي .
في فلسطين تشكل وعي بالخطر الصهيوني بدائيا ، ولكن ليس لدى الكل ، كنت تجد في تلاوين الحركة الوطنية الفلسطينية ، قبل النكبة من كان يسمي الغزو الصهيوني بالصهاينة ، تمييزا لهم عن اليهود ، صفد كانت مجتمعا مختلط ، وكذلك حيفا ، كان هناك يهودا يحملون جوازات بريطانية مكتوبا عليها حكومة فلسطين ، لم تكن المشكلة مع هؤلاء ، المشكلة اتسعت حين ارغمت الصهيونية هؤلاء التوحد معهم أو اجتذبتهم اليها . الحركة الصهيونية تزعم انها حركة قومية ، لهذا تعتمد كثيرا على ظاهرة التجييش وتعتبر ان معسكرها يشمل جميع اليهود ، كان والدي احيانا يستخدم كلمة يهود ، للاشارة الى الصهيونية ، لكنه لم يكن عنصريا معاديا لليهود كيهود
====================================================
اتهام "الموساد"بقتل القيادي الفلسطيني وديع حداد بالشوكولاتة المسمومة
كاتب اسرائيلي يقول إنها كانت اول عملية تصفية بيولوجية
الجمعة ٥ أيار (مايو) ٢٠٠٦
كشف الصحفي الإسرائيلي أهارون كلاين أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) اغتال وديع حداد قائد العمل العسكري الخارجي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بواسطة الشوكولاتة المسمومة في عام 1978 .
وقال أهارون في كتاب جديد له تحت عنوان "حساب مفتوح" إن " إسرائيل قررت تصفية حداد في أعقاب تدبيره اختطاف طائرة إير فرانس إلى عنتيبي في أوغندا في عام 1976م"، وأضافت "أن حداد كان مسؤولا عن سلسلة من العمليات الفدائية وكان شغوفا بالشوكولاتة البلجيكية"، بحسب صحيفة الحياة اللندنية الجمعة، 5-5-2006.
وأشارت الصحيفة إلى (أن خبراء الموساد قاموا بدس مادة بيولوجية سامة تعمل ببطء إلى كمية من الشوكولاتة البلجيكية وأرسلوها إلى حداد بواسطة عميل فلسطيني لدى عودة هذا العميل من أوروبا إلى العراق (حيث أقام حداد في فترة من الفترات). وأوضحت الصحيفة نقلا عن الكتاب "وبعد أن تناول حداد هذه الشوكولاتة تدهورت حالته الصحية مما أدى في نهاية المطاف إلى وفاته في مستشفى في ألمانيا الشرقية عام 1978م".
وبعدما اشار كلاين الى ان عملية التصفية هذه «كانت اول عملية تصفية بيولوجية» تنفذها اسرائيل، قال ان الدولة العبرية التي تصف حداد بـ «الإرهابي المتمرس والمتعدد المواهب» اتهمته بالمسؤولية عن انشاء علاقات بين التنظيمات الفلسطينية و «منظمات ارهابية عالمية»، وانه دعا افرادها للتدرب في لبنان، وكانت إحدى نتائجها قيام «الجيش الأحمر» الياباني بمذبحة في مطار اللد (تل ابيب) العام 1972.
وقال كلاين ان خطف طائرة «اير فرانس» الى عنتيبي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، اذ قرر قادة «موساد» وجهاز المخابرات العسكرية فوراً تصفية حداد. وصادق رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغن على العملية.
تراجع العمليات ضد اسرائيل
وقال الكاتب إنه بعد تصفية حداد، سجل انخفاض حاد في عدد العمليات التي استهدفت اسرائيل في انحاء العالم. وزاد ان «موساد» رأى في عملية التصفية هذه تجسيداً لنظرية «التصفية الوقائية» أو تصفية قنبلة موقوتة تمثلت بـ «دماغ خلاّق لم يتوقف عن التخطيط للعملية المقبلة»، في اشارة الى حداد.
من جانبه ، أعاد الصحافي موشيه رونن، الذي قدم عرضاً هو الأخر للكتاب ، الى الاذهان محاولة اسرائيل تصفية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في عمان ، متسائلاً عن كون الرئيس ياسر عرفات تعرض لتصفية «بسمّ اسرائيلي غامض». لكن المؤلف نفى ذلك، مدعياً ان الأمر لم يخطر على باله وانه لا يعلم شيئاً عن سبب وفاة عرفات.
ويضيف الصحافي ان الكتاب الجديد قد يكون لائحة اتهام ضد اسرائيل، اذ انه باستثناء اثنين او ثلاثة من القياديين الذين اغتيلوا، فإن سائر من استهدفهم «موساد» كانوا من «الصف الثاني» ولم يعرضوا اسرائيل الى الخطر ولم يكونوا ضالعين في عمل ضدها. لكن المؤلف يرى ان من اتخذ القرارات بالتصفية ونفذها رأى في التنفيذ «عملاً مقدساً».
ومن الشخصيات الفلسطينية التي اغتالها جهاز «موساد» المفكر وائل زعيتر الذي ترجم «ألف ليلة وليلة» الى الايطالية، للاشتباه بأنه قائد منظمة «أيلول الاسود» في ايطاليا، ما دفع رئيسة الحكومة في حينه غولدا مئير الى اقرار عملية تصفيته من دون تردد. ومن ضحايا جرائم «موساد» ايضاً عاطف بسيسو الذي اغتيل العام 1992 «انتقاماً» في باريس بدعوى ضلوعه في عملية خطف رياضيين اسرائيليين في اولمبياد ميونيخ العام 1972.
وتابع المؤلف ان معظم عمليات الاغتيال الاخرى نفذت بحجة منع عمليات في المستقبل ضد اهداف اسرائيلية منهم محمد بوديه ممثل وصاحب مسرح في باريس. وقارن المؤلف بين رؤساء حكومات اسرائيل السابقين في مسألة اقرارهم عمليات الاغتيال، ليشير الى ان اسحق شامير رحب بكل طلب للتصفية، لافتاً الى خلفيته كعضو بارز في عصابات «ليحي» الصهيونية. ولم تختلف غولدا مئير كثيراً عنه. في المقابل، اشار الكاتب الى ان اسحق رابين وشمعون بيريز طلبا التدقيق في تفاصيل ملف الشخص المستهدف قبل الموافقة على تصفيته.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 5 نوفمبر - 22:34 من طرف فايز سليمان
» هذا البيان لاثبات من يقوم بقصف اليرموك
الإثنين 5 نوفمبر - 22:32 من طرف فايز سليمان
» رفضًا لتصريحات محمود عبّاس
الأحد 4 نوفمبر - 12:13 من طرف سالي
» من قام بحادث رفح
الجمعة 2 نوفمبر - 0:06 من طرف فايز سليمان
» الجزء الثاني
الخميس 1 نوفمبر - 15:50 من طرف فايز سليمان
» هل تتذكرون
الخميس 1 نوفمبر - 15:36 من طرف فايز سليمان
» الفرقان الحق ( بدلاً عن القرأن )
الخميس 1 نوفمبر - 15:34 من طرف فايز سليمان
» خواني واخواتي
الخميس 1 نوفمبر - 15:31 من طرف فايز سليمان
» نقلا عن الأسبوع المصرية
الخميس 1 نوفمبر - 15:29 من طرف فايز سليمان