بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
الشهيد مصطفى حافظ ( الرجل الظل )
صفحة 1 من اصل 1
الشهيد مصطفى حافظ ( الرجل الظل )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الشهيد مصطفي حافظ
(الرجل الظل )
لكل حرب أساطيرها، وفي كل حرب جزء علني وآخر خفي، وما خفي دائماً يكون أكبر وأعمق وأوسع. في عالم المخابرات الحرب تدور في العقل أولاً. ليست فيها بروفات. والدقة فيها ضرورة، والخطأ قاتل. وفي عالم الحروب الكثيرة التي دارت بين إسرائيل والعرب كانت لحروب الاستخبارات جزء كبير. ولها اساطيرها.. هذه الاساطير لا تتاح المعلومات عنها في حينها. وفي كثير من الأحيان تظل الامور سرية جداً. تحتاج إلي عشرات السنين ليعرف الناس تفاصيلها.
من بين الاساطير المصرية يقف اسم مصطفي حافظ، الذي قد لا يعرف عنه المعاصرون الكثير، فقط يقرأون اسمه علي ميدان في الإسكندرية، وعلي أطول شوارع عين شمس.. التي تضم أيضا مدرسة الشهيد مصطفي حافظ. وفي قطاع غزة هناك شوارع ومدارس وميادين تحمل اسم مصطفي حافظ. ومن بين كثير من أهالي غزة المولودين في الخمسينيات ستجد كثيرين باسم مصطفي أو حافظ، أو اسما ثنائياً هو «مصطفي حافظ». ولكي تعرف حجم أسطورة الرجل يكفي أن تعرف أن قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد ان اجتاحت غزة في يونيو 1967، كانت تطارد صور مصطفي حافظ المعلقة علي حوائط المنازل، وفي بعض المحلات والمقاهي، كان الإسرائيليون يطلقون النار علي الصور أو ينهالون عليها بالسواطير. فإذا كانت الصور تمثل كل هذا القلق للإسرائيليين فماذا يمثل صاحب الصورة. الذي يفترض انه رحل قبل 12 عاماً من حرب يونيو وقبل أيام من تأميم قناة السويس. كل هذه الحكايات والأساطير جرت خلال 34 عاماً هي مجمل عمر الرجل الذي تحول إلي شبح يقلق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ويهتم ، وزير الدفاع والموساد بالتخلص منه وتصفيته، ومع ذلك تحول إلي رمز واتسعت اسطورته بعد رحيله لدرجة أن صوره تحولت إلي أهداف عسكرية بعد رحيله بأكثر من عشر سنوات.
انتظرت إسرائيل 38 عاماً لتعترف بمسئوليتها عن اغتيال مصطفي حافظ الذي حمل ملفه في الموساد اسم «الرجل الظل»، في كتاب لـ«يوسي ارجمان» يحمل عنوان «سري جداً» صدر عام 1993. استشهد مصطفي حافظ يوم 11 يوليو 1956، وفي 13 يوليو نشرت الأهرام في صدر صفحتها الأولي «قتل البكباشي مصطفي حافظ نتيجة ارتطام سيارته بلغم في قطاع غزة، ونقل الجثمان إلي العريش ومنها جواً إلي القاهرة،» واستطرد الخبر: كان حافظ من ابطال فلسطين ناضل من اجل استقلالها وتحريرها، وسجل له التاريخ اعمالا جعلت اسمه يزرع الرعب داخل قلوب «الإسرائيليين».. رغم أن مصطفي حافظ كان يعيش في الإسكندرية والقاهرة.
فإن المعلومات المتوفرة عنه تشير إلي أنه ولد في قرية كفر أبوالنجا التابعة لبندر طنطا في 25 ديسمبر 1920، وحصل علي الشهادة الابتدائية عام 1934، والتحق بمدرسة فؤاد الثانوية «الحسينية حالياً»، وحصل علي الثانوية عام 1938، ودخل إلي الكلية الحربية التي تخرج فيها عام 1940، وعرف عنه أنه كان ذا أعصاب حديدية. وكان من بين المتفوقين وعين ملازماً بسلاح الفرسان. وكان الجيش المصري يموج بالتحولات وأحلام التغيير. وحصل علي عدة فرق عسكرية منها فرقة في الطبوغرافيا سنة 1943، وأخري في الأسلحة وفي عام 1951 حصل علي فرقة تعليم شئون إدارية بامتياز.
في يوليو 1948 نقل اليوزباشي مصطفي حافظ إلي إدارة الحاكم الإداري العام لغزة التي كانت تتبع في إدارته مصر. وفي أكتوبر 48 عين حاكماً لرفح، وفي نوفمبر من نفس العام عين مأموراً لمركز القصير في البحر الأحمر. وسافر إلي غزة عام 1951، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل اعتداءاتها علي اللاجئين في قطاع غزة، والذين طاردتهم العصابات الصهيونية، التي واصلت احتلالها للأراضي الفلسطينية وطرد سكانها واحلال المستوطنات محلها.
كان مصطفي حافظ علي علاقة بالضباط الأحرار وجمال عبدالناصر، فضلاً عن سمعته التي كانت تملأ أجواء الجيش، بوصفه ليس مجرد ضابط محترف، لكنه خبير بالبشر والسياسة. وقد استطاع خلال فترة عمله في رفح وغزة، أن يضيف إلي دراساته الميدانية والعسكرية خبرات، صقلتها امكاناته الشخصية وقدرته غير المحدودة علي اقامة علاقات مع البشر وفهمهم. وبعد قيام ثورة يوليو 1952 لم يكن هناك من هو أفضل من الصاغ مصطفي حافظ ليقود المواجهة ضد العدوان الإسرائيلي الاستيطاني الذي يطارد الفلسطينيين، ويمارس معهم كل صنوف العنف والإرهاب حتي يغادروا ارضهم ومساكهنم.
في عام 1955 حصل مصطفي حافظ علي فرقة في المدرعات ورقي رتبة صاغ ثم مقدم بعدها حضر اجتماعا سريا عقد في القاهرة برئاسة جمال عبد الناصر، تقرر فيه إنشاء كتيبة للأعمال الفدائية، واختير لهذه المهمة العقيد مصطفي حافظ، الذي عرف بكفائته وذكائه، حتي أنه رقي إلي عقيد وعمره لم يتجاوز السنوات الأربعة والثلاثين. سافر مصطفي حافظ إلي غزة التي كانت تتبع الإدارة المصرية، وبدأ في تكوين شبكة فدائية واسعة تنتشر في انحاء الأراضي المحتلة، لتواجه اعتداءات قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين.. وخلال أعوام 1955 و1956 سببت العمليات الفدائية التي قادها مصطفي حافظ رعباً للإسرائيليين، لأنها كانت تطول مستوطنات في اللد وتل أبيب والمدن الكبري
وطول عامي 55 - 56 أرعبت عمليات مصطفي حافظ الإسرائيليين، لانها وصلت إلي العمق وخلف الخطوط، وجرت ضد وحدات عسكرية وواجهت واحبطت العديد من الهجمات الارهابية للعصابات المسلحة عرف الموساد ان وراء هذه العمليات «الرجل الظل» العقيد مصطفي حافظ، وقررت الأجهزة الاستخبارية السعي وراءه لتصفيته. ولم يكن ذلك امرا سهلا فقد نجح مصطفي حافظ في الهروب والتخفي، وعجزت هذه الجهات الاستخبارية عن التقاط صورة له. أو معرفة مكانه وتم تنفيذ اكثر من عملية لاغتيال مصطفي حافظ بالهجوم المباشر أو الانزال الجوي والبحري. أو السيارات المفخخة. لكنها فشلت لان «الرجل الظل» يكون غادر المكان قبل لحظات أو يكتشف الاسرائيليون انهم كانوا يجرون وراء سراب.
عمل مصطفي حافظ لتكوين كتيبة الفدائيين وتدريبهم للقيام بعمليات نوعية خلف خطوط العدو، وإلي جانب المتطوعين للعمل الفدائي، جند عدداً من المدنيين الذين عليهم قضايا جنائية، وكان شرط خروجهم من السجن هو المشاركة بعمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني.
واهتم بشكل خاص بتنسيق الجهود مع الفدائيين الفلسطينيين علي الجبهة السورية من خلال الملحق العسكري في السفارة المصرية بعمان صلاح مصطفي مما أدي لتطور في حجم العمليات التي ينفذها الفدائيون داخل إسرائيل حتي وصل المعدل إلي أكثر من عملية يومياً صدرت الأوامر لمجموعة من أمهر الضباط في المخابرات الإسرائيلية لتنفيذ عملية اغتيال حافظ، واعترفت هذه المجموعة من الضباط الإسرائيليين لـ«أرجمان» بانهم كانوا يعانون من توبيخ ديفيد بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، ومن القائد العسكري الإسرائيلي موشي ديان بسبب الفشل المستمر في اقتناص مصطفي حافظ، وعلي حد قول أحد أفراد هذه المجموعة فأنه كان من السهل التحدث إلي يهوه (الله باللغة العبرية) في السماء عن التحدث مع موشي ديان عن براعة مصطفي حافظ في تنفيذ عملياته داخل إسرائيل ورجوع رجاله سالمين إلي غزة وقد خلفوا وراءهم فزعاً ورعباً ورغبة متزايدة في الهجرة منها.
وكان الحل الوحيد أمام الاجهزة الإسرائيلية هو التخلص من مصطفي حافظ مهما كان الثمن، ورصدت في سبيل ذلك مبلغاً ضخماً في ذلك الزمان وهو مليون دولار، في وقت لم تكن أكثر العمليات إثارة تتكلف عدة مئات أو آلاف من الدولارات.
كان شعار أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مصطفي حافظ مطلوب حياً أو ميتاً. وصدرت أوامر القيادة السياسية بضرورة انهائه. وكان مصطفي حافظ نفسه علي علم بذلك، بل ان جمال عبد الناصر عندما زار غزة قال لمصطي حافظ «خلي بالك يا مصطفي من الخونة، مصر تريدك بشدة».. وكان هناك قرار قد صدر بالفعل لاعادة مصطفي حافظ ليتولي رئاسة جهاز المخابرات العامة الوليد في مصر، والذي شكل بعد اكتشاف قضية لافون وفي وقت تجنيد رأفت الهجان وكانت متابعة ذلك تجري بخليط من المباحث الجنائية والمخابرات الحربية. لكن القدر لم يمهل مصطفي حافظ.. كان قرار اغتياله وتصفيته قد صدر من كل الجهات العليا في إسرائيل.
شارك في التخطيط للعملية سبعة من كبار رجال المخابرات الإسرائيلية، أن يتم نسف مصطفي حافظ عن طريق طرد ناسف، لكن واجهتهم مشكلة أن حافظ لا يفتح الطرود بنفسه، وتم البحث عن سبب مقنع يدفعه إلي فتحه مع وضع ضمانات بالا يمر علي شخص آخر قبل الوصول إليه.
فقد تم اختيار عميل مزدوج هو «سليمان طلالقة» كان الإسرائيليون يعرفون انه يعمل مع مصطفي حافظ، وكانوا قد اسروه واطلقوا سراحه بشرط ان يعمل لحسابهم، فكان عبارة عن قناة توصيل مزدوجة. لم يكن من السهل اغتيال حافظ بسلة فاكهة أو طعام لأنه لن يفتحها. وكان ان فكر مخططو العملية في حيلة، حيث افهموا العميل المزدوج طلالقة ان قائد شرطة غزة وقتها «لطفي العكاوي» يعمل لحساب الموساد.
ولم يكن ذلك صحيحاً لان العكاوي كان احد كبار المناضلين ضد الاحتلال -وكانوا يعرفون ان طلالقة سوف يطير لاخبار مصطفي حافظ بالنبأ، ولكي يؤكدوا اتهامهم، قالوا انهم يريدون ارسال طرد يحتوي علي كتاب، يحمل شفرة الاتصال معهم. ولكي يضمنوا ألا يفتح طلالقة الطرد، فقد اشتروا نسخة مشابهة من الكتاب وبعد ان شاهده طلالقة وخرج من الغرفة، وضعوا الكتاب المفخخ الذي أعده خبير كان يعمل في منظمة اتسل الصهيونية قبل تأسيس إسرائيل أعد الكتاب ووضع فيه المتفجرات وأصبح جاهزاً للتسليم. وأعطوه لطلالقة ومعه علامة تعارف عبارة عن نصف جنيه مصري وكلمة السر «أخوك بيسلم عليك».
وحسب تقرير لجنة التحقيق المصرية التي تقصت وفاة مصطفي حافظ بأمر مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر فإنه في 11 يوليو عام 1956 في ساعات المساء الأخيرة جلس مصطفي حافظ علي كرسي في حديقة قيادته في غزة وكان قد عاد قبل يومين فقط من القاهرة، وكان يتحدث مع أحد رجاله عندما وصل إليهم العميل الذي كان يعرفه حافظ لأنه سبق أن نفذ ست مهام مطلوبة منه في إسرائيل.
وروي العميل لحافظ ما عرفه عن قائد الشرطة وهو ما أزعج مصطفي حافظ وبخاصة أن بعض الشكوك أثيرت حوله، وقرر حافظ أن يفتح الطرد ثم يغلقه من جديد ويرسله إلي قائد الشرطة، بمجرد أن فتح الغلاف سقطت علي الأرض قصاصة ورق انحني لالتقاطها وفي هذه الثانية وقع الانفجار وفي الخامسة صباح اليوم التالي استشهد مصطفي حافظ متأثراً بجراحه، وأصيب أحد ضباطه بإعاقة مستديمة بينما فقد العميل بصره، واعتقل قائد الشرطة لكن لم يعثروا في بيته علي ما يدينه.
ورغم مصرع مصطفي حافظ إلا أن الإسرائيليين ظلوا يطاردون كل ذكري له علي أرض فلسطين وبعد هزيمة يونيو 1967 واحتلال غزة تباري الإسرائيليون في تحطيم نصب تذكاري أقامه الفلسطينيون لاحياء ذكراه، وكانوا يحطمون صوره التي كانت منتشرة في الشوارع والمنازل والمقاهي، وهو ما دفع الفلسطينيين لاخفاء هذه الصور ودفنها في الأرض.
وبعد اغتيال مصطفي حافظ، احتفل رئيس الوزراء بن جوريون وموشي ديان رئيس الأركان الشهير، اللذان وقعا علي الخطة، وشربا نخب التخلص من الرجل الظل. وفي مصر كان لاستشهاد مصطفي حافظ اثر الصدمة علي جمال عبدالناصر الذي تأثر بشدة، وسالت بعض دموعه علي رحيل الأسطورة. قبل 15 يوماً فقط من اخطر قرارات جمال عبد الناصر، والثورة المصرية.. تأميم القناة.. القرار الذي أعلنه عبد الناصر من الإسكندرية يوم 26 يوليو 1956 في العيد الرابع للثورة، وفي هذا الخطاب ورد اسم مصطفي حافظ مرات عديدة،
قائلا: من ايام قليلة ماضية استشهد اثنان من اعز الناس لنا -بل من اخلص الناس لنا- استشهد مصطفي حافظ- قائد جيش فلسطين- وهو يؤدي واجبه من أجلكم، ومن أجل العروبة، ومن أجل القومية العربية.. مصطفي حافظ اللي آلى علي نفسه أن يدرب جيش فلسطين، وان يبعث جيش فلسطين، أن يبعث اسم فلسطين، فهل سها عنه أعوان الاستعمار؟ هل سهت عنه إسرائيل صنيعة الاستعمار؟ هل سها عنه الاستعمار؟ أبداً.. انهم كانوا يجدون في مصطفي حافظ.. كانوا يجدون فيه تهديدا مباشرا لهم، وتهديدا مباشرا لاطماعهم، وتهديدا مباشرا ضد المؤامرات التي كانوا يحيكونها ضدكم، وضد قوميتكم، وضد عروبتكم، وضد العالم العربي، فاغتيل مصطفي حافظ بأخس أنواع الغدر، وأخس أنواع الخداع اغتيل مصطفي حافظ، ولكنهم هل يعتقدون انهم بقتل مصطفي حافظ أو بالتخلص من مصطفي حافظ، لن يجدوا من يحل محل مصطفي حافظ؟ انهم سيجدون في مصر وبين ربوع مصر جميع المصريين، كل واحد منهم يحمل هذه المبادئ ويؤمن بهذه المبادئ، ويؤمن بهذه المثل العليا.
وبالرغم من خطورة العمل الذي يقوم به مصطفي حافظ، فقد اصطحب معه أسرته إلي حيث يعمل في غزة، زوجته درية يوسف عام 1946 وانجب منها ولداً واحداً هو «محمد» الدبلوماسي المصري الذي سبق له وخدم في السلطة الفلسطينية. وأربع بنات، وكبراهن هدي التي كانت متزوجة من الجراح الشهير مصطفي أبو النصر قبل رحيلها. وسهير متزوجة الراحل شريف الشوباشي مراسل الأهرام في باريس وناهد التي هاجرت عام 1978 إلي الولايات المتحدة، وهي العامل الذي أثار ذكري مصطفي حافظ بقوة، لكونها انضمت إلي مؤيدي إسرائيل في أمريكا ووصفت الفلسطينيين بأنهم وحوش وإرهابيون ومعهم كل العرب والمسلمين، أما الابنة الأخيرة فهي مي التي كان عمرها 6 أشهر فقط عند رحيل والدها الأسطورة مصطفي حافظ.
الشهيد مصطفي حافظ
(الرجل الظل )
لكل حرب أساطيرها، وفي كل حرب جزء علني وآخر خفي، وما خفي دائماً يكون أكبر وأعمق وأوسع. في عالم المخابرات الحرب تدور في العقل أولاً. ليست فيها بروفات. والدقة فيها ضرورة، والخطأ قاتل. وفي عالم الحروب الكثيرة التي دارت بين إسرائيل والعرب كانت لحروب الاستخبارات جزء كبير. ولها اساطيرها.. هذه الاساطير لا تتاح المعلومات عنها في حينها. وفي كثير من الأحيان تظل الامور سرية جداً. تحتاج إلي عشرات السنين ليعرف الناس تفاصيلها.
من بين الاساطير المصرية يقف اسم مصطفي حافظ، الذي قد لا يعرف عنه المعاصرون الكثير، فقط يقرأون اسمه علي ميدان في الإسكندرية، وعلي أطول شوارع عين شمس.. التي تضم أيضا مدرسة الشهيد مصطفي حافظ. وفي قطاع غزة هناك شوارع ومدارس وميادين تحمل اسم مصطفي حافظ. ومن بين كثير من أهالي غزة المولودين في الخمسينيات ستجد كثيرين باسم مصطفي أو حافظ، أو اسما ثنائياً هو «مصطفي حافظ». ولكي تعرف حجم أسطورة الرجل يكفي أن تعرف أن قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد ان اجتاحت غزة في يونيو 1967، كانت تطارد صور مصطفي حافظ المعلقة علي حوائط المنازل، وفي بعض المحلات والمقاهي، كان الإسرائيليون يطلقون النار علي الصور أو ينهالون عليها بالسواطير. فإذا كانت الصور تمثل كل هذا القلق للإسرائيليين فماذا يمثل صاحب الصورة. الذي يفترض انه رحل قبل 12 عاماً من حرب يونيو وقبل أيام من تأميم قناة السويس. كل هذه الحكايات والأساطير جرت خلال 34 عاماً هي مجمل عمر الرجل الذي تحول إلي شبح يقلق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ويهتم ، وزير الدفاع والموساد بالتخلص منه وتصفيته، ومع ذلك تحول إلي رمز واتسعت اسطورته بعد رحيله لدرجة أن صوره تحولت إلي أهداف عسكرية بعد رحيله بأكثر من عشر سنوات.
انتظرت إسرائيل 38 عاماً لتعترف بمسئوليتها عن اغتيال مصطفي حافظ الذي حمل ملفه في الموساد اسم «الرجل الظل»، في كتاب لـ«يوسي ارجمان» يحمل عنوان «سري جداً» صدر عام 1993. استشهد مصطفي حافظ يوم 11 يوليو 1956، وفي 13 يوليو نشرت الأهرام في صدر صفحتها الأولي «قتل البكباشي مصطفي حافظ نتيجة ارتطام سيارته بلغم في قطاع غزة، ونقل الجثمان إلي العريش ومنها جواً إلي القاهرة،» واستطرد الخبر: كان حافظ من ابطال فلسطين ناضل من اجل استقلالها وتحريرها، وسجل له التاريخ اعمالا جعلت اسمه يزرع الرعب داخل قلوب «الإسرائيليين».. رغم أن مصطفي حافظ كان يعيش في الإسكندرية والقاهرة.
فإن المعلومات المتوفرة عنه تشير إلي أنه ولد في قرية كفر أبوالنجا التابعة لبندر طنطا في 25 ديسمبر 1920، وحصل علي الشهادة الابتدائية عام 1934، والتحق بمدرسة فؤاد الثانوية «الحسينية حالياً»، وحصل علي الثانوية عام 1938، ودخل إلي الكلية الحربية التي تخرج فيها عام 1940، وعرف عنه أنه كان ذا أعصاب حديدية. وكان من بين المتفوقين وعين ملازماً بسلاح الفرسان. وكان الجيش المصري يموج بالتحولات وأحلام التغيير. وحصل علي عدة فرق عسكرية منها فرقة في الطبوغرافيا سنة 1943، وأخري في الأسلحة وفي عام 1951 حصل علي فرقة تعليم شئون إدارية بامتياز.
في يوليو 1948 نقل اليوزباشي مصطفي حافظ إلي إدارة الحاكم الإداري العام لغزة التي كانت تتبع في إدارته مصر. وفي أكتوبر 48 عين حاكماً لرفح، وفي نوفمبر من نفس العام عين مأموراً لمركز القصير في البحر الأحمر. وسافر إلي غزة عام 1951، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل اعتداءاتها علي اللاجئين في قطاع غزة، والذين طاردتهم العصابات الصهيونية، التي واصلت احتلالها للأراضي الفلسطينية وطرد سكانها واحلال المستوطنات محلها.
كان مصطفي حافظ علي علاقة بالضباط الأحرار وجمال عبدالناصر، فضلاً عن سمعته التي كانت تملأ أجواء الجيش، بوصفه ليس مجرد ضابط محترف، لكنه خبير بالبشر والسياسة. وقد استطاع خلال فترة عمله في رفح وغزة، أن يضيف إلي دراساته الميدانية والعسكرية خبرات، صقلتها امكاناته الشخصية وقدرته غير المحدودة علي اقامة علاقات مع البشر وفهمهم. وبعد قيام ثورة يوليو 1952 لم يكن هناك من هو أفضل من الصاغ مصطفي حافظ ليقود المواجهة ضد العدوان الإسرائيلي الاستيطاني الذي يطارد الفلسطينيين، ويمارس معهم كل صنوف العنف والإرهاب حتي يغادروا ارضهم ومساكهنم.
في عام 1955 حصل مصطفي حافظ علي فرقة في المدرعات ورقي رتبة صاغ ثم مقدم بعدها حضر اجتماعا سريا عقد في القاهرة برئاسة جمال عبد الناصر، تقرر فيه إنشاء كتيبة للأعمال الفدائية، واختير لهذه المهمة العقيد مصطفي حافظ، الذي عرف بكفائته وذكائه، حتي أنه رقي إلي عقيد وعمره لم يتجاوز السنوات الأربعة والثلاثين. سافر مصطفي حافظ إلي غزة التي كانت تتبع الإدارة المصرية، وبدأ في تكوين شبكة فدائية واسعة تنتشر في انحاء الأراضي المحتلة، لتواجه اعتداءات قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين.. وخلال أعوام 1955 و1956 سببت العمليات الفدائية التي قادها مصطفي حافظ رعباً للإسرائيليين، لأنها كانت تطول مستوطنات في اللد وتل أبيب والمدن الكبري
وطول عامي 55 - 56 أرعبت عمليات مصطفي حافظ الإسرائيليين، لانها وصلت إلي العمق وخلف الخطوط، وجرت ضد وحدات عسكرية وواجهت واحبطت العديد من الهجمات الارهابية للعصابات المسلحة عرف الموساد ان وراء هذه العمليات «الرجل الظل» العقيد مصطفي حافظ، وقررت الأجهزة الاستخبارية السعي وراءه لتصفيته. ولم يكن ذلك امرا سهلا فقد نجح مصطفي حافظ في الهروب والتخفي، وعجزت هذه الجهات الاستخبارية عن التقاط صورة له. أو معرفة مكانه وتم تنفيذ اكثر من عملية لاغتيال مصطفي حافظ بالهجوم المباشر أو الانزال الجوي والبحري. أو السيارات المفخخة. لكنها فشلت لان «الرجل الظل» يكون غادر المكان قبل لحظات أو يكتشف الاسرائيليون انهم كانوا يجرون وراء سراب.
عمل مصطفي حافظ لتكوين كتيبة الفدائيين وتدريبهم للقيام بعمليات نوعية خلف خطوط العدو، وإلي جانب المتطوعين للعمل الفدائي، جند عدداً من المدنيين الذين عليهم قضايا جنائية، وكان شرط خروجهم من السجن هو المشاركة بعمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني.
واهتم بشكل خاص بتنسيق الجهود مع الفدائيين الفلسطينيين علي الجبهة السورية من خلال الملحق العسكري في السفارة المصرية بعمان صلاح مصطفي مما أدي لتطور في حجم العمليات التي ينفذها الفدائيون داخل إسرائيل حتي وصل المعدل إلي أكثر من عملية يومياً صدرت الأوامر لمجموعة من أمهر الضباط في المخابرات الإسرائيلية لتنفيذ عملية اغتيال حافظ، واعترفت هذه المجموعة من الضباط الإسرائيليين لـ«أرجمان» بانهم كانوا يعانون من توبيخ ديفيد بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، ومن القائد العسكري الإسرائيلي موشي ديان بسبب الفشل المستمر في اقتناص مصطفي حافظ، وعلي حد قول أحد أفراد هذه المجموعة فأنه كان من السهل التحدث إلي يهوه (الله باللغة العبرية) في السماء عن التحدث مع موشي ديان عن براعة مصطفي حافظ في تنفيذ عملياته داخل إسرائيل ورجوع رجاله سالمين إلي غزة وقد خلفوا وراءهم فزعاً ورعباً ورغبة متزايدة في الهجرة منها.
وكان الحل الوحيد أمام الاجهزة الإسرائيلية هو التخلص من مصطفي حافظ مهما كان الثمن، ورصدت في سبيل ذلك مبلغاً ضخماً في ذلك الزمان وهو مليون دولار، في وقت لم تكن أكثر العمليات إثارة تتكلف عدة مئات أو آلاف من الدولارات.
كان شعار أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مصطفي حافظ مطلوب حياً أو ميتاً. وصدرت أوامر القيادة السياسية بضرورة انهائه. وكان مصطفي حافظ نفسه علي علم بذلك، بل ان جمال عبد الناصر عندما زار غزة قال لمصطي حافظ «خلي بالك يا مصطفي من الخونة، مصر تريدك بشدة».. وكان هناك قرار قد صدر بالفعل لاعادة مصطفي حافظ ليتولي رئاسة جهاز المخابرات العامة الوليد في مصر، والذي شكل بعد اكتشاف قضية لافون وفي وقت تجنيد رأفت الهجان وكانت متابعة ذلك تجري بخليط من المباحث الجنائية والمخابرات الحربية. لكن القدر لم يمهل مصطفي حافظ.. كان قرار اغتياله وتصفيته قد صدر من كل الجهات العليا في إسرائيل.
شارك في التخطيط للعملية سبعة من كبار رجال المخابرات الإسرائيلية، أن يتم نسف مصطفي حافظ عن طريق طرد ناسف، لكن واجهتهم مشكلة أن حافظ لا يفتح الطرود بنفسه، وتم البحث عن سبب مقنع يدفعه إلي فتحه مع وضع ضمانات بالا يمر علي شخص آخر قبل الوصول إليه.
فقد تم اختيار عميل مزدوج هو «سليمان طلالقة» كان الإسرائيليون يعرفون انه يعمل مع مصطفي حافظ، وكانوا قد اسروه واطلقوا سراحه بشرط ان يعمل لحسابهم، فكان عبارة عن قناة توصيل مزدوجة. لم يكن من السهل اغتيال حافظ بسلة فاكهة أو طعام لأنه لن يفتحها. وكان ان فكر مخططو العملية في حيلة، حيث افهموا العميل المزدوج طلالقة ان قائد شرطة غزة وقتها «لطفي العكاوي» يعمل لحساب الموساد.
ولم يكن ذلك صحيحاً لان العكاوي كان احد كبار المناضلين ضد الاحتلال -وكانوا يعرفون ان طلالقة سوف يطير لاخبار مصطفي حافظ بالنبأ، ولكي يؤكدوا اتهامهم، قالوا انهم يريدون ارسال طرد يحتوي علي كتاب، يحمل شفرة الاتصال معهم. ولكي يضمنوا ألا يفتح طلالقة الطرد، فقد اشتروا نسخة مشابهة من الكتاب وبعد ان شاهده طلالقة وخرج من الغرفة، وضعوا الكتاب المفخخ الذي أعده خبير كان يعمل في منظمة اتسل الصهيونية قبل تأسيس إسرائيل أعد الكتاب ووضع فيه المتفجرات وأصبح جاهزاً للتسليم. وأعطوه لطلالقة ومعه علامة تعارف عبارة عن نصف جنيه مصري وكلمة السر «أخوك بيسلم عليك».
وحسب تقرير لجنة التحقيق المصرية التي تقصت وفاة مصطفي حافظ بأمر مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر فإنه في 11 يوليو عام 1956 في ساعات المساء الأخيرة جلس مصطفي حافظ علي كرسي في حديقة قيادته في غزة وكان قد عاد قبل يومين فقط من القاهرة، وكان يتحدث مع أحد رجاله عندما وصل إليهم العميل الذي كان يعرفه حافظ لأنه سبق أن نفذ ست مهام مطلوبة منه في إسرائيل.
وروي العميل لحافظ ما عرفه عن قائد الشرطة وهو ما أزعج مصطفي حافظ وبخاصة أن بعض الشكوك أثيرت حوله، وقرر حافظ أن يفتح الطرد ثم يغلقه من جديد ويرسله إلي قائد الشرطة، بمجرد أن فتح الغلاف سقطت علي الأرض قصاصة ورق انحني لالتقاطها وفي هذه الثانية وقع الانفجار وفي الخامسة صباح اليوم التالي استشهد مصطفي حافظ متأثراً بجراحه، وأصيب أحد ضباطه بإعاقة مستديمة بينما فقد العميل بصره، واعتقل قائد الشرطة لكن لم يعثروا في بيته علي ما يدينه.
ورغم مصرع مصطفي حافظ إلا أن الإسرائيليين ظلوا يطاردون كل ذكري له علي أرض فلسطين وبعد هزيمة يونيو 1967 واحتلال غزة تباري الإسرائيليون في تحطيم نصب تذكاري أقامه الفلسطينيون لاحياء ذكراه، وكانوا يحطمون صوره التي كانت منتشرة في الشوارع والمنازل والمقاهي، وهو ما دفع الفلسطينيين لاخفاء هذه الصور ودفنها في الأرض.
وبعد اغتيال مصطفي حافظ، احتفل رئيس الوزراء بن جوريون وموشي ديان رئيس الأركان الشهير، اللذان وقعا علي الخطة، وشربا نخب التخلص من الرجل الظل. وفي مصر كان لاستشهاد مصطفي حافظ اثر الصدمة علي جمال عبدالناصر الذي تأثر بشدة، وسالت بعض دموعه علي رحيل الأسطورة. قبل 15 يوماً فقط من اخطر قرارات جمال عبد الناصر، والثورة المصرية.. تأميم القناة.. القرار الذي أعلنه عبد الناصر من الإسكندرية يوم 26 يوليو 1956 في العيد الرابع للثورة، وفي هذا الخطاب ورد اسم مصطفي حافظ مرات عديدة،
قائلا: من ايام قليلة ماضية استشهد اثنان من اعز الناس لنا -بل من اخلص الناس لنا- استشهد مصطفي حافظ- قائد جيش فلسطين- وهو يؤدي واجبه من أجلكم، ومن أجل العروبة، ومن أجل القومية العربية.. مصطفي حافظ اللي آلى علي نفسه أن يدرب جيش فلسطين، وان يبعث جيش فلسطين، أن يبعث اسم فلسطين، فهل سها عنه أعوان الاستعمار؟ هل سهت عنه إسرائيل صنيعة الاستعمار؟ هل سها عنه الاستعمار؟ أبداً.. انهم كانوا يجدون في مصطفي حافظ.. كانوا يجدون فيه تهديدا مباشرا لهم، وتهديدا مباشرا لاطماعهم، وتهديدا مباشرا ضد المؤامرات التي كانوا يحيكونها ضدكم، وضد قوميتكم، وضد عروبتكم، وضد العالم العربي، فاغتيل مصطفي حافظ بأخس أنواع الغدر، وأخس أنواع الخداع اغتيل مصطفي حافظ، ولكنهم هل يعتقدون انهم بقتل مصطفي حافظ أو بالتخلص من مصطفي حافظ، لن يجدوا من يحل محل مصطفي حافظ؟ انهم سيجدون في مصر وبين ربوع مصر جميع المصريين، كل واحد منهم يحمل هذه المبادئ ويؤمن بهذه المبادئ، ويؤمن بهذه المثل العليا.
وبالرغم من خطورة العمل الذي يقوم به مصطفي حافظ، فقد اصطحب معه أسرته إلي حيث يعمل في غزة، زوجته درية يوسف عام 1946 وانجب منها ولداً واحداً هو «محمد» الدبلوماسي المصري الذي سبق له وخدم في السلطة الفلسطينية. وأربع بنات، وكبراهن هدي التي كانت متزوجة من الجراح الشهير مصطفي أبو النصر قبل رحيلها. وسهير متزوجة الراحل شريف الشوباشي مراسل الأهرام في باريس وناهد التي هاجرت عام 1978 إلي الولايات المتحدة، وهي العامل الذي أثار ذكري مصطفي حافظ بقوة، لكونها انضمت إلي مؤيدي إسرائيل في أمريكا ووصفت الفلسطينيين بأنهم وحوش وإرهابيون ومعهم كل العرب والمسلمين، أما الابنة الأخيرة فهي مي التي كان عمرها 6 أشهر فقط عند رحيل والدها الأسطورة مصطفي حافظ.
عدل سابقا من قبل فايز سليمان في السبت 27 مارس - 19:21 عدل 2 مرات (السبب : اضافة صورة)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 5 نوفمبر - 22:34 من طرف فايز سليمان
» هذا البيان لاثبات من يقوم بقصف اليرموك
الإثنين 5 نوفمبر - 22:32 من طرف فايز سليمان
» رفضًا لتصريحات محمود عبّاس
الأحد 4 نوفمبر - 12:13 من طرف سالي
» من قام بحادث رفح
الجمعة 2 نوفمبر - 0:06 من طرف فايز سليمان
» الجزء الثاني
الخميس 1 نوفمبر - 15:50 من طرف فايز سليمان
» هل تتذكرون
الخميس 1 نوفمبر - 15:36 من طرف فايز سليمان
» الفرقان الحق ( بدلاً عن القرأن )
الخميس 1 نوفمبر - 15:34 من طرف فايز سليمان
» خواني واخواتي
الخميس 1 نوفمبر - 15:31 من طرف فايز سليمان
» نقلا عن الأسبوع المصرية
الخميس 1 نوفمبر - 15:29 من طرف فايز سليمان