القادمون من المريخ
بقلوب ملؤها المحبة وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لك أهلا وسهلا زائرنا الكريم
اهلا بك بقلوبنا قبل حروفنا بكل سعادة وبكل عزة

ندعوك للتسجيل اذا احببت الانضمام لاسرتنا والمشاركة معنا
ولا تبخل علينا بمشاركاتك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

القادمون من المريخ
بقلوب ملؤها المحبة وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لك أهلا وسهلا زائرنا الكريم
اهلا بك بقلوبنا قبل حروفنا بكل سعادة وبكل عزة

ندعوك للتسجيل اذا احببت الانضمام لاسرتنا والمشاركة معنا
ولا تبخل علينا بمشاركاتك
القادمون من المريخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» رام الله - وطن للأنباء - يوسف الشايب
رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالإثنين 5 نوفمبر - 22:34 من طرف فايز سليمان

» هذا البيان لاثبات من يقوم بقصف اليرموك
رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالإثنين 5 نوفمبر - 22:32 من طرف فايز سليمان

» رفضًا لتصريحات محمود عبّاس
رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالأحد 4 نوفمبر - 12:13 من طرف سالي

» من قام بحادث رفح
رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالجمعة 2 نوفمبر - 0:06 من طرف فايز سليمان

» الجزء الثاني
رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:50 من طرف فايز سليمان

» هل تتذكرون
رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:36 من طرف فايز سليمان

» الفرقان الحق ( بدلاً عن القرأن )
رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:34 من طرف فايز سليمان

» خواني واخواتي
رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:31 من طرف فايز سليمان

» نقلا عن الأسبوع المصرية
رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:29 من طرف فايز سليمان

التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
تصويت

رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني

اذهب الى الأسفل

رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني Empty رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني

مُساهمة من طرف خالد النبهان الأربعاء 23 فبراير - 21:24

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

رواية دم لفطير صهيون ج3 -الكاتب نجيب الكيلاني
=======================
كان هذا الاعتراف، على الرغم من أنه لم يكن كاملاً، ذا أهمية بالغة، إن الحقيقة ستتكشف رويداً رويداً، وصدر أمر الباشا باستدعاء الأشخاص الذين ذكرهم سليمان الحلاق، وكانوا في رفقة البادري المفقود.. أبدى داود دهشته حينما رأى رجال الدولة، وعلى رأسهم (التفتيشجي باشا) يطرقون بابه، وتمتم في شحوب وهو يسرع بارتداء ملابسه:
- (يا للكارثة؟ يبدو أن سليمان قد انهار).
ونظرت إليه زوجه كاميليا في رعب وهتفت:
- (ما معنى ذلك؟؟).
- (اتهام..).
- (شبهة أم اتهام؟!).

- (من يدري؟ قد تكون تحرياتهم قد أثبتت أن البادري كان يسير معنا، وفي مثل هذه الحالة يكون الإفلات سهلاً.. فنحن جميعاً متفقون على الإنكار..).

قالت كاميليا والدموع تبلل أهدابها:
- (ومتى ستعود..؟؟).

تنهد في حسرة وهمس:
- (ليتني أعلم..).

تشبثت بأذيال ثوبه، وأخذت تقبل وجهه وعنقه ويديه ثم صرخت:
- (لن أتركك.. لسوف آتي معك..).

استنكر كلماتها وهتف:
- (مستحيل.. ماذا يقول الناس؟؟).

- (كيف أحيى بدونك..؟؟).

- (نحن لم نرتكب خطيئة، لقد نفذنا أوامر الديانة.. ولن يتخلى عنا الله..).


كان يعزي نفسه في الحقيقة، بل يحاول جاهداً أن يقهر عوامل الضعف والخوف والندم التي أخذت تشيع في جنبات قلبه وعقله، تماماً كما حدث لسليمان وهو في زنزانته المظلمة، إنها لحظات تصيب الكثيرين من رجال العقائد عندما يتعرضون لهزات عنيفة، أو زلزلة قوية، فتجعلهم يعيدون النظر فيما يؤمنون به، وهم في هذه الأوقات يحاولون التشبث بمبادئهم على علاتها، الخاطئ منها والصحيح، لأنهم يشعرون في داخلهم أن نذر التردد والشك تداهمهم فجأة..

وتمتم داود:
- (يجب أن يختفي مراد، وليته يستطيع الهرب.. إنني لا أثق في الخدم، وهم سريعو الانهيار.. مثله مثل سليمان حسبما أعتقد.. يجب أن تهتمي بذلك يا كاميليا..).

قالت في ثقة:
- (اطمئن.. سأخفيه ولن يعثر عليه أحد إلا بأمرك).




وما أن انصرف داود مع (التفتيشجي) حتى أسرعت كاميليا باستدعاء مراد الفتال، كانت تجفف دموعها، وتشعر، رغم كل شيء، بمرارة شديدة من أجل زوجها المسكين، إنها تكره في زوجها أشياء كثيرة، لكنها في هذا الوقت بالذات شعرت أنه زوجها وأبو أولادها، وعماد بيتها، هناك نوع من الرابطة لا يموت مهما اختلفت الأمزجة، وتضاربت المشاعر بين الزوج وزوجه، لقد رأت زوجها يمضي ذليلاً خائفاً وسط رجال (التفتيشجي)، فتمزق قلبها ألماً وحسرة، كاميليا لا تفهم تفسيراً لما يعتمل في نفسها، ومن ثم فهي تترك مشاعرها تنطلق حسب هواها.




قال داود هراري عندما وقف أمام الباشا:
- (لم أنظر الأب توما منذ شهرين أو ثلاثة، وليس من عادتي الاختلاط بهؤلاء الخواجات.. منزلي فعلاً في شارع الثلاج ولكني لا أعرف شيئاً عن ذلك اللقاء المزعوم..).

أما يوسف لينيادو فقد تلعثم قليلاً ثم قال:
- (كنت في منزلي ولم أخرج إلا يوم الخميس قرب الظهر، لأن ابنتي توفيت منذ خمسة عشر يوماً، وعادتنا ألا نخرج من منزلنا مدة سبعة أيام، عند وفاة أحد أقاربنا، وبناء على ذلك فأنا لا أعلم شيئاً عما أسأل عنه الآن).

أما إسحاق هراري، شقيق داود، فقد قال في ثقة وتأكيد:
- (لا معلومات لدي.. أنا تاجر مشغول بتجارتي.. هي كل شيء في حياتي).

أما العجوز يوسف هراري فقد سعل، ثم قال في وهن:
- (منزل في شارع الثلاج، وأنا لا أخرج إلا نادراً بسبب تقدمي في السن، لم أقابل الأب توما منذ ثلاثة شهور.. آه.. لقد ربيت بين المسيحيين.. ينامون عندي وأنام عندهم.. آكل من طعامهم ويأكلون من طعامي.. نحن إخوة أحباء برغم اختلاف الديانة..).

ورفع الحاخام موسى أبو العافية رأسه في اعتزاز ظاهر وتمتم:
- (لم أقابل أحداً ممن ذكرهم الحلاق منذ ستة شهور، ومن المحتمل أن نكون قد تقابلنا مرة بمحض الصدفة ثم افترقنا، غير أني لا أذكر ذلك مطلقاً.. والإنسان مطبوع على النسيان.. وبخصوص الأب توما فأنا لم أره منذ شهرين تقريباً).

وتقدم هارون هراري قائلاً:
- (منزلي مجاور لقنصلية إنجلترا، ولا أذهب إلى إخوتي في حارة اليهود إلا نادراً، لم أتقابل مع الحلاق منذ ثمانية أيام.. أنا من الأشخاص ذوي السلوك الحميد.. لم أجتمع مع هذه الجمعية، هذه التهمة ملفقة ضدنا.. ربما قال الحلاق سليمان ما قاله مخافة الضرب).

أما الحاخام الثاني موسى سلانيكلي فقد أنكر كل شيء بالكلية..




وواجهوا المتهمين بسليمان الحلاق الذي أصرّ على أقواله، بينما أخذ المتهمون يتقدمون إليه واحداً واحداً ويقولون:

-(لماذا تفتري علينا يا سليمان يا حبيبي، أطلب من الله أن ينقذك مما أنت فيه.. لا يمكنك أن تصمم على هذا الكلام المخترع..!!).




لم يزل الطريق إلى كشف غوامض الجريمة محفوفاً بالصعاب، أيمكن أن يكون سليمان كاذباً فيما ادعاه؟ وهل بينه وبين الذين اعترف عليهم عداوة شخصية، أو يريد ابتزاز الأموال منهم..؟؟ إن كل الشواهد تؤكد أن علاقة سليمان بالمتهمين لا غبار عليها، وأن الصلة بينه وبينهم وطيدة منذ زمن بعيد، وهم يثقون به ويثق بهم، وجميعهم من زبائنه سواء في مجال الحلاقة أو الحجامة.. وتمتم حاذق بك المشرف على التحقيق:

- (سليمان يخفي الحقيقة.. ومعنى ذلك أنه ضالع في الجريمة..).


ثم أمر بحبس جميع المتهمين في الزنزانات الانفرادية بحيث يتعذر أن يتصل أحدهم بالآخر، ثم أتى بسليمان وأصدر أمره باستعمال الكرباج.. فصاح سليمان في خوف:
- (لا.. سأقول كل شيء).

وأحاطت به العيون وتلهفت الأسماع، لقد مضى على التحقيق حوالي تسعة أيام من دون فائدة تذكر، ودمشق كلها ساهرة حائرة، الناس يتساءلون، وعلامات الاستفهام ترتسم على الوجوه، في الشوارع وفي البيوت والمحلات التجارية.. في المزارع.. في القنصليات، وقنصل فرنسا يرسل تقارير يومية إلى باريس.. ولابد أن يجيب التحقيق على علامات الاستفهام التي تنطلق في كل مكان.. وإلا حدثت كارثة مدوية..


لم يستطع المحققون أن يقبضوا على اليهودي المعروف (بتشوتو)، وهو رجل داهية غريب الأطوار يعمل موظفاً كبيراً في القنصلية النمساوية، وهو أحد رعاياها، وقد كان يُظن أنه وثيق الصلة بجريمتي قتل الباردي وخادمه.

حتى بعد أن اعترف سليمان بأن (بتشوتو) حذره من الاعتراف ووعده بالخلاص، نفى (بتشوتو) التهمة بشدة، واحتج على ذلك، بل كان يرد على أسئلة المحققين في تبجح وصفاقة.. هذا الذئب الداهية عندما فكر في الأمر أدرك أن سليمان على وشك أن يلقي أمام المحققين الحقيقة كاملة، ففكر هو وجماعة من اليهود أن يقوموا باغتيال سليمان الحلاق، حتى ينقطع خيط التحقيق إلى الأبد، وفكروا أيضاً في قتل الخادم مراد. وبالنسبة لسليمان، لم تنجح أية خطة في التخلص منه، فالحراسة مشددة والسجن لا يُسمح لأحد بدخوله، ومن ثم لم يكن هناك من وسيلة سوى دس السم في طعام المسجونين وهذه الطريقة لا تودي بحياة سليمان وحده، بل بحياة العشرات.. ومع ذلك فإن هذه الوسيلة قد فشلت هي الأخرى مما جعل (بتشوتو) يعاني من همّ قاتل، لا من أجل نفسه فحسب، بل من أجل اليهود المتهمين الذين احتجزوا في الحبس، وأشار إلى (مدام كاميليا) كي تحاول التخلص من خادمها مراد الفتال، فأبدت اعتراضاً وجيهاً:

- (إن الأمور لا تعالج هكذا يا بتشوتو.. سنجر أنفسنا إلى مزيد من المشاكل وسيعرف الجميع معنى ذلك.. إننا بقتلنا سليمان أو مراد سنفتح ملفاً لقضية جديدة، ولن يعدم المحققون وسيلة للسيطرة على أحد الضعفاء فيقرّ بالحقيقة..).

هز بتشوتو كتفيه في أسف ثم قال:
- (اليوم قد يعترف سليمان، وقد تفلت فرصة النجاة إلى الأبد، تذكري أن زوجك يعاني من آلام السجن ومعرض لحكم الإعدام.. ويوسف هراري قد زادت حالته سوءاً..).

هبت واقفة وقالت في حزم:
- (لا أستطيع أن أقرك على رأيك..).

- (كيف؟).

- (في إمكانك أنت أن تفعل ما تشاء، إنك تبحث دائماً عن أدوات لتنفذ لك رغباتك..).

انصرف بتشوتو مكفهر الوجه، وآبت كاميليا إلى حجرتها، وأسرعت إلى زجاجة الخمر، وأخذت تعب منها، ويداها ترتجفان، ثم دارت رأسها، تركت غرفتها، مضت عبر الردهات والممشى الطويل، في آخر الدهليز توجد الحجرة القذرة.. الحجرة المعتمة التي تثير مشاعرها، وتذيب كيانها، وتغرقها في بحر من النشوة القاتلة.. هناك تخبئ مراد اللعين، أحكمت إغلاق الباب من الداخل، قدمت له طعاماً وشراباً، وجلسا يأكلان، أشرقت عيناها بالفرحة الجنونية...

- (لقد أصبحت لي وحدي..).

- (أنا عبدك يا سيدتي..).

- (في نظري أنت من كبار السادة..).

- (هذا كثير جداً..).

- (أيها الأبله.. لا فرق بين غني وفقير..).

- (ولكني خادم..).

وانفجر باكياً، فهتفت:

- (ماذا جرى يا مراد؟؟).

- (أبكي من أجل سيدي.. ومن أجل نفسي..).

- (لا تخف..).

- (الناس يقولون لو لم يأمر الباشا بإعدامنا لأحرقونا أحياء..).

لفت ذراعها حول عنقه وأخذت تلامس شفتاها وجهه وعنقه، لكنه كان بارداً كالثلج، دفعته في غيظ وصرخت:
- (ماذا بك؟؟ لن تستطيع الجن أن تعرف طريقك..).

- (لا أستطيع التخلص من رعبي.. إنه يقهرني..).

- (القضية تافهة.. واليهود سيدفعون مئات الألوف ليضيعوا معالمها، تذكر ذلك جيداً، المال هو خاتم سليمان..).

ثم أخذت ترقص وتهز أردافها وتعب الكؤوس.. وتغني بصوت ناعم غير متسق:
- (لبيك شبيك.. أنا بين يديك..).

وظلت تعابثه.. تشد شعر رأسه ثم تنزع شعرة من شاربه، وتجلسه وتدفعه إلى أمام وإلى خلف.. جفت دموعه وسرى الدفء في جسده، وابتسم. كانت عيناه حمراوين، يتأرجح دون وعي، يضحك ويبكي، وانطرحا على فراش الإثم، لكنها إزاء اللحظات الحاسمة تسمع صرير الباب.. أهي في حلم؟ إنها مجرد أوهام لاشك في ذلك.. وفوجئت بالخادمة (أستير) تقف أمامها ترميهما بنظرات شرسة.. لم يكن لدى كاميليا كلمة لتدافع بها عن نفسها وقد وجدت مع خادمها متلبسة بالجريمة..

- (كيف دخلت إلى هنا؟؟).

- (مفتاح سيدي كان بجيب الصدار..).

- (اخرجي يا كلبة..).

ونهضت وهي غارقة في خجلها وعارها وصفعت الخادمة على وجهها، لم تتحرك (أستير) وإنما ظلت تلهبها بنظراتها القاسية.. بينما طأطأ مراد رأسه في أسى..

- (لهذا تعترضين على زواجي منه..).

- (منذ متى تجرؤين على مخاطبتي بهذه اللهجة..؟؟).

لم تكترث (أستير) وأردفت تقول:
- (شككت في الأمر من قديم.. لكني أردت أن أتأكد بنفسي).

- (من تكونين؟؟ حشرة.. اقتلها يا مراد..).

ضحكت أستير:
- (دمي لا يصلح للفطير المقدس..).

أدركت كاميليا معنى كلماتها، إنها تهدد، ولابد من مهادنتها، لو استطاعت أن تعتذر للخادمة وتسترضيها، فإن ذلك معناه أن تكتم سر جريمة البادري توما، وفي نفس الوقت تغطي على خطيئتها، وبعد ذلك تستطيع أن تتدبر أمرها بهدوء..

- (أستير.. أنا آسفة.. كلنا خطايا.. لحظة ضعف يا حبيبتي.. لقد شربت كثيراً ولم أتمالك إرادتي.. السكارى يفعلون أي شيء.. أما سمعت عن ذلك اليهودي الصالح الذي حاول أن يعتدي على عفاف ابنته أثناء سكره؟؟.. أستحلفك بالله أن تصفحي عني..).

ولم تكتف (كاميليا) بذلك بل زحفت على ركبتيها العاريتين، واقتربت من الخادمة واختطفت يدها وقبلتها وأخذت تتمسح في أذيال ثوبها، وتقول:

- (مراد لك.. لقد وعد زوجي بذلك، وسيدفع لكما المال الوفير حتى تسعدا، وإذا لم يفعل داود ذلك فأنا سأفعله بنفسي، هذا وعد.. ولتغفري لي..).

قالت أستير في ارتباك والدموع تغرق عينيها:
- (عفواً سيدتي.. لقد انتهى الأمر وسأنساه كلية.. وأرجو ألا يترك في نفسك أي أثر..).

وهبّ مراد واقفاً وقال:
- (لن أبقى هنا بعد الآن لحظة..).

استدارت إليه سيدته قائلة:
- (أنت تغامر بمستقبلك ومستقبل سيدك..).

- (سأخرج..).

وقفت كاميليا عاجزة لا تستطيع أن تحسم أمراً، وخطا مراد صوب الدهليز المعتم متجهاً صوب الباب الصغير المفتوح..

وهمست أستير:
- (إلى أين؟؟).

- (إلى الجحيم.. أكاد أختنق.. ليكن ما يكون..).

وتبعته أستير دون أن تتفوه بكلمة، بينما نظرت كاميليا من حولها، كانت وحيدة إلا من المخطوطات القديمة وبعض نسخ التلمود والكتب المقدسة، وصور متخيلة لبعض الحاخامات الأقدمين، وأشياء مهملة، وبعض الصراصير تجري هنا وهناك.. نظرت إلى ما حولها بحسرة، وشعرت أن الحياة تافهة وأن الأيام تعسة لا معنى لها.. وأن ما يجري من أحداث غريبة يكاد يورثها الجنون، فألقت بوجهها على الأرض وأخذت تنتحب بصوت عال..

قال سليمان:
- (أجل يا جناب الباشا.. إن المتهمين السبعة الذين تحدثت عنهم أدخلوا (الأب توما) في منزل داود هراري.. ثم دعوني بعد الغروب بربع ساعة وقالوا لي: قم فاذبح هذا (القسيس). كان الأب توما مربوط الذراعين.. فاعتذرت.. أنا لا أقدر على ذبحه.. ووعدوني بالدراهم، اعتذرت.. ثم سلموني الإعلان الصغير الخاص بالمزاد.. الذي أعطاني الإعلان هو هارون هراري.. أتذكر الآن.. لقد قلت لكم إن داود هراري هو الآخر قابلني بعد ضبطي، عندما كنت منقاداً إلى سراي الحكومة.. واستفسر مني عما إذا كنت قد اعترفت بشيء أم لا، ولما أجبته بما يطمئنه.. أوصاني بالثبات.. ووعدني بمكافأة كبرى.. ثم إن الذي استدعاني من حانوتي للذهاب إلى بيت هراري هو خادم داود واسمه مراد الفتال..).

نظر الباشا الوالي إلى أحد الرجال وقال:
- (استحضروا الخادم مراد الفتال..).

واستمر التحقيق مع سليمان الحلاق..
- (أتقول الحق يا سليمان أم أنك تخاف الضرب وتتهم الأبرياء بالزور؟؟).

- (الحق ما قلت.. ومستعد لمواجهتهم.. ومصمم على كل كلمة..).

- (أكان يوجد بالمنزل نساء أثناء الجريمة؟).

- (لم أرَ غير الرجال السبعة.. والخادم كان في الخارج..).

- (من فتح لك الباب؟؟).

- (داود هراري..).

- (هل بقيت معهم بعد أن رفضت الذبح؟؟..).

- (ذهبت إلى حانوتي.. ثم إلى منزلي..).

- (أكان يمكن سماع القسيس إذا صرخ وهو في الغرفة التي كان فيها؟؟).

- (المنزل محاط بمنازل اليهود من كل جهة، والمتهمون كانوا يمنعونه من الصراخ..).

- (هل كان خادم البادري معه؟؟).

- (الخادم قتل في محل آخر.. والذين قتلوه كانوا متفقين على هذا الأمر مع من قتلوا الأب توما..).



سيق مراد الفتال إلى التحقيق، كان مرتبكاً زائع النظرات، لقد وجدوه لدى بيت داود هراري، وأقر بأن سيده داود قد أرسله فعلاً لاستدعاء سليمان الحلاق، وأنكر معرفته بأي شيء آخر، وزعم أنه عاد إلى بيته بعد استدعاء سليمان، وقرر أنه لم ير أحداً من الرجال في بيت سيده. ثم ووجه داود بكلام خادمه فأنكر وادعى أنه ذهب إلى الجمرك في الوقت الذي يدعي فيه سليمان ومراد أنه اتصل بهما، غير أن شهادة ناظر الجمرك لم تأت في صالحه، وبعد يومين أعيد استجواب الحلاق:

- (من أعطاك الإعلان الذي وجد على بابك..؟؟).

- (هارون هراري..).

- (متى كان ذلك؟؟).

- (يوم الأربعاء 4 ذي الحجة بعد المغرب بنصف ساعة.. وهارون أعطاني برشاناً للصق الإعلان وقد تم لصقه يوم الخميس عند الفجر.. دون أن يراني أحد.. أنا أعلم أن البادري كان قد وضع إعلاناً يوم الأربعاء، وقرأه بعض الناس ثم اختفى ذلك الإعلان.. يبدو أن آل هراري هم الذين رفعوه بدليل أنهم أعطوني غيره كي ألصقه..).



صمم باقي المتهمين على الإنكار ولم يعترفوا بشيء، كان قد مر على اختفاء البادري حوالي ثلاثة أسابيع دون الوصول إلى صورة واضحة حقيقية للجريمة، ورأى الوالي شريف باشا أن سليمان الحلاق لم يزل لديه الكثير ليخبر به، وخاصة أنه ترددت شائعات تقول إن اليهود سيحاولون قتله، كما وأن اليهود أخذوا يحاولون خفية الاتصال ببعض الشخصيات البارزة سواء من الأجانب أو الوطنيين كي يسدل الستار على التحقيق.. وقال شريف باشا بعد أن استدعى سليمان:

- (ممن تخاف..؟؟).

نظر في توسل دون أن يجيب.. فقال الباشا:

- (اعلم يا سليمان إنني أعدك بشرفي أن أعفو عنك، مقابل أن تقول الحقيقة.. حتى تدرأ الفتنة عن الناس، وتكشف الظالمين، وتنجي الأبرياء، لن تخسر شيئاً يا سليمان بل ستكسب الكثير..).

وأقسم الباشا على وعده وأعطاه كتاباً بذلك، فقال سليمان الحلاق وهو يبكي:

- (أرسل داود خادمه مراد في طلبي بعد الغروب.. عندما ذهبت إلى بيته رأيت هارون وإسحاق ويوسف هراري ويوسف لينيادو والحاخام أبو العافية والحاخام سلانيكلي وصاحب البيت داود.. كان الأب توما مربوطاً، يا إلهي!! قالوا: قم واذبح هذا القسيس.. أحضر داود سكيناً.. أنا الذي ألقيت القسيس على الأرض.. واشتركنا جميعاً في مسكه.. أنا الذي وضعت رقبة القسيس على طشت كبير.. وأمسك داود بالسكين وذبحه وأكمل معه أخوه هارون.. لم تقع نقطة واحدة من دم القسيس خارج الطشت.. سكنت حركات الضحية.. ثم سحبناه من حجرة الذبح.. إلى حجرة أخرى فيها بعض الأخشاب ثم نزعنا ثياب القتيل.. وأحرقوها.. عندئذ حضر الخادم مراد الفتال وبأمر منهم قمت أنا والخادم بتقطيع القسيس إرباً إرباً، كنا نضع قطعه في الكيس.. ثم نرميها في المصرف عند أول حارة اليهود، بجوار منزل الحاخام موسى أبو العافية، ثم رجعنا إلى بيت داود.. وانتهت المأمورية. وعدوا الخادم بأن يزوجوه من الفتاة التي يحبها بمالهم.. ووعدوني بالدراهم ثم توجهت إلى منزلي.. هذا ما حدث.. وأنا لم أقل ما قلت إلى بناء على ما يرتضيه ضميري..).

كان الحاضرون، وهم يستمعون إلى سليمان، في غاية الدهشة والعجب، وعلامات الاشمئزاز والتقزز تبدو على وجوههم، وبعضهم دمعت عيناه: أيمكن أن يحدث ذلك فعلاً؟؟

قال الباشا لسليمان:

- (ماذا فعلتم بعظامه؟).

- (كسرناها بيد الهاون.. ورأسه.. كسرناها بيد الهاون أيضاً..).

- (وكيف فعلتم بأحشائه؟).

قال: (قطعناها وأخذناها في الكيس..).

ثم سأل المحقق:
- (من اشترك في التقطيع..؟؟).

- (كنت أنا والخادم نقطعه، والرجال السبعة كانوا يرشدوننا إلى الطريقة.. كان معنا سكين واحدة أتبادلها أنا والخادم.. وهي تشبه سكاكين الجزارين..).

- (على أية بلاطة كسرتم العظام بعد تقطيع الأب توما؟).

- (على بلاطة موجودة بين المربعين).

- (لما كسرتم رأس توما بالطبع كان المخ يخرج منه فماذا فعلتم به يا سليمان؟؟).

- (نقلنا المخ مع العظام..).

وهنا حدث شيء ملفت للنظر، فقد صرخ أحد رجال الشرطة الواقفين، ثم أغمي عليه لهول ما سمع، وعندما أفاق كان يشهق باكياً، فأمر شريف باشا بإخراج الشرطي، كيما يستكمل التحقيق، وبدا واضحاً أن علامات التأثر قد ظهرت على وجوه جميع الحاضرين، بمن فيهم ممثل قنصلية فرنسا والنمسا وإنجلترا.. وقال شريف باشا بصوت راجف:

- (متى تمت الجريمة؟).

- (وقت العشاء..).

- (كم استغرق تصفية الدم؟؟).

رد سليمان:
- (حوالي ثلث الساعة أو نصفها، وهي المدة التي بقي فيها القس موضوعاً على الطشت)..

تنهد الباشا في ألم وقال:
- (ألم يحدث شيء آخر يا سليمان؟؟).

خالد النبهان
Admin

عدد المساهمات : 115
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 29/12/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى