القادمون من المريخ
بقلوب ملؤها المحبة وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لك أهلا وسهلا زائرنا الكريم
اهلا بك بقلوبنا قبل حروفنا بكل سعادة وبكل عزة

ندعوك للتسجيل اذا احببت الانضمام لاسرتنا والمشاركة معنا
ولا تبخل علينا بمشاركاتك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

القادمون من المريخ
بقلوب ملؤها المحبة وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لك أهلا وسهلا زائرنا الكريم
اهلا بك بقلوبنا قبل حروفنا بكل سعادة وبكل عزة

ندعوك للتسجيل اذا احببت الانضمام لاسرتنا والمشاركة معنا
ولا تبخل علينا بمشاركاتك
القادمون من المريخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» رام الله - وطن للأنباء - يوسف الشايب
رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالإثنين 5 نوفمبر - 22:34 من طرف فايز سليمان

» هذا البيان لاثبات من يقوم بقصف اليرموك
رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالإثنين 5 نوفمبر - 22:32 من طرف فايز سليمان

» رفضًا لتصريحات محمود عبّاس
رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالأحد 4 نوفمبر - 12:13 من طرف سالي

» من قام بحادث رفح
رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالجمعة 2 نوفمبر - 0:06 من طرف فايز سليمان

» الجزء الثاني
رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:50 من طرف فايز سليمان

» هل تتذكرون
رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:36 من طرف فايز سليمان

» الفرقان الحق ( بدلاً عن القرأن )
رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:34 من طرف فايز سليمان

» خواني واخواتي
رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:31 من طرف فايز سليمان

» نقلا عن الأسبوع المصرية
رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر - 15:29 من طرف فايز سليمان

التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
تصويت

رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني

اذهب الى الأسفل

رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني Empty رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني

مُساهمة من طرف خالد النبهان الأربعاء 23 فبراير - 21:27

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

رواية دم لفطير صهيون ج5 -الكاتب نجيب الكيلاني
===================
عادت الدموع إلى عينيها:
- (لا تفكر في أمر كهذا يا داود..).

رد في حسرة:
- (يا إلهي.. إني أتخبط.. يبدو أنني لا أحسن الكلام في هذه الأوقات..)

جفف لها دموعها وربت على كتفها وقال:
- (القتل في كل وقت.. وكل مكان. لست أدري لماذا هذه الضجة كلها من أجل البادري؟ بالأمس أهلكت الحرب الكثيرين، مات رجال.. وأطفال.. وقساوسة.. وشيوخ ويهود.. هل القتل الجماعي مباح وحده..؟؟).

نظرت إلى زوجها في دهشة، إن كلماته عجيبة، يبدو أن تفكيره قد اختل، أيريد أن يرتكب الناس جرائم القتل دون حساب أو عقاب؟!

قالت مستغربة:
- (هل لو قتل أحد من عائلة هراري.. أكنتم تسكتون..؟؟).

ضحك داود في بلاهة وقال:
- (بالطبع لن نسكت.. فرجل من أبناء هراري يختلف عن أي رجل آخر..).

- (لكننا أمام القانون سواء..).

- (إنه قانون ظالم..).

- (كيف؟؟).

- (لقد خلقنا الله أسياداً وحكاماً للعالم، والله في سمائه يبكي من أجلنا ويذرف الدموع حتى..).

قالت في شيء من القلق:
- (كف عن هذا الكلام الآن يا داود..).

نظر إليها قائلاً:
- (يوسف هراري يحتضر.. ويوسف لينيادو مات بالأمس من شدة المرض.. مات البادري فليذهب إلى الجحيم.. وأسلم أبو العافية، العار كل العار له.. وأفشى سرنا مراد وسليمان عليهما اللعنة الأبدية.. سننتظر المسيح الحقيقي القادم هو وفرسانه راكبين الإبل والجياد، وبكاؤنا على أورشليم الخراب سيظل مستمراً حتى..).

وقالت مقاطعة:
- (ويحك! العسكر ينظرون إليك..).

وجاءهما صوت الحارس:
(انتهت الزيارة..).

نظرت إليه في حسرة، وجرّت حطامها، وعادت إلى الطريق.



دمشق تعج بالحياة، والناس البسطاء يمرحون ويأكلون ويشربون، والأغنيات الشعبية – برغم مسحة الحزن – تعمر الطريق، ضحكات تشق عنان السماء.. ورجل نصف عار يتغنى بمدح الرسول، وصبايا في الشرفات يرددن أهازيج الحجيج.. ومئذنة عالية تسمو صوب السحاب وعليها رجل يؤذن للصلاة.. وكنيسة أجراسها تدق، ومزاد علني يرتفع فيه صوت الدلال، والعالم يسير، وأطفال صغار يجلسون في شمس الشتاء الساطعة يقرأون في المصاحف.. الكتب المقدسة في أيدي الأطفال، يا إلهي.. لا أسرار ولا غموض.. الدين للجميع.. ليس هناك أسرار مخبأة في دهاليز مظلمة، وليست هناك طقوس خاصة بالأحبار الكبار أو الحاخامات العظام.. المصحف يقرؤه الصغير والكبير، أكان أبو العافية على حق حينما اعتنق الإسلام؟؟ هذا ما كانت تفكر فيه كاميليا وهي تدلف إلى حارة اليهود..

كان أحد اليهود يقترب منها وهي تمشي في الحارة ويقول:
- (كيف حاله؟).

همت أن تقول لهم إنه في أسوأ حال، وإنه نصف مجنون، لكنها ضحكت ساخرة، وقالت شيئاً آخر، قالت في اعتزاز:
- (داود كالجبل الأشم.. إيمانه أقوى من إيمان الحاخامات العظام).

ولجأت إلى حجرتها فور وصولها، وهربت من الحقيقة المرة إلى النوم العميق، ولم تفق إلا في اليوم التالي، حينما جاءت إليها الخادمة أستير وقالت:
- (سيدتي.. إني راحلة..).

نظرت كاميليا إلى أستير، كانت تحمل في يدها صرة ملابسها وترتدي ثيابها الكاملة، وتمتمت:
- (إلى أين يا أستير؟؟).

- (سأذهب إليه.. إنه ينتظرني.. وسأرحل معه إلى مكان آخر، لم يعد لنا عيش في هذا المكان).

كانت آثار النوم عالقة بأهداب كاميليا، ومع ذلك فقد فهمت بعض ما تقصده الخادمة، وتساءلت:
- (من الذي ينتظرك؟؟).

- (مراد..).

- (كيف..؟؟ إنه في السجن..).

- (لقد صدر العفو عنه هو وسليمان الحلاق.. وغادرا السجن..).

قالت كاميليا وقد وثبت من سريرها:
- (وداود.. ما مصيره؟؟).

قالت أستير متلعثمة:
- (وتم العفو عن أبو العافية..).

- (وداود؟؟).

طأطأت أستير رأسها.. ولم تنطق.
- (تكلمي يا أستير..).

- (لا أعرف.. غير أنهم قالوا إن يوسف هراري مات بالسكتة القلبية..).

ووقفت كاميليا شاحبة، وقالت:
- (هل مات داود هو الآخر؟؟).

- (لا إنه حي.. بكل تأكيد..).

- (لم لا تقولين ذلك منذ البداية؟؟).

وسادت فترة صمت قالت أستير بعدها:
- (أنا لا أتخلى عنك يا سيدتي، لكن الرحيل أمر ضروري.. هكذا يريد مراد الفتال.. والخير أن نرحل..).


عاد محمد أفندي أبو العافية (الحاخام أبو العافية سابقاً) إلى بيته، كان يمشي في حارة اليهود مرفوع الرأس، وكانت النظرات المسددة إليه كأنها سياط حارقة تلهب جسده، ومعاني الحقد تنصب عليه من كل جانب، ولم يجرؤ أحد من اليهود أن يرفع صوته بكلمة.. لكن الأمر كان مختلفاً تماماً عندما بلغ بيته.. اجتمعت الأسرة من حوله، كانوا فرحين بنجاته، قلقين مضطربين من أجل ما حدث، وكان هو يدرك صعوبة الموقف.. وتبادلوا العناق والقبلات، وقال ابنه بعد فترة وجيزة:
- (يا أبي كيف تركت الديانة..؟؟).

قال أبو العافية في ثقة:
- (لقد اخترت طريقي.. وأنا لم أترك الديانة لأسقط في فراغ، ولكني تدينت الديانة الحقيقية حسبما أعتقد الآن..).

ردّ الابن:
- (لندع الحق والباطل الآن.. المهم سمعتنا وشرفنا بين اليهود..).

ابتسم محمد أفندي أبو العافية وقال:
- (أمام الله في الآخرة.. سوف نقف فرادى، لن يحمل أحد عن أحد عقابه، ولن يشفع حاخام لرجل أو امرأة من أتباعه.. بل سيتحمل أوزاراً على أوزاره، دون أن ينقص ذلك من أوزار تابعه.. فلتمت كل السخافات القديمة التي أفنيت فيها عمري.. أيها الأبناء.. من اليسير أن يضحي المرء بنفسه ويتقبل الموت بشجاعة، وقد كنت على وشك أن أفعل ذلك، لكن يجب أن تدركوا أن الشجاعة الحقيقية هي أن تنتزع نفسك من عفن الماضي الذي درجت عليه، الشجاعة أن تختار، والجديد دائماً يبعث على الشك والخوف.. لكي تكون مسلماً لابد أن تكون حراً شجاعاً، عندئذ تصل إلى الجنة الحقيقية..).

ثم أخذ يخاطب أفراد بيته واحداً واحداً، حتى الأطفال كان يحادثهم، لم يجب أحد، وقفوا صامتين حائرين، عندئذٍ قال:
- (أنا لا أفكر في الشكليات والمظاهر التافهة.. لا يهمني ما يقوله اليهود أو غير اليهود.. القضية قضية حق.. أو باطل.. خطأ أو صواب.. وأنا اخترت ما أعتقد أنه حق وصواب وليكن ما يكون.. ذلك جوهر الأمر كله..).

ثم نظر إليهم مرة أخيرة، وقال عبارة جامعة فاصلة:
- (يا أهل بيتي.. لسوف أغادر حارة اليهود إلى الأبد.. سأغادر حارة اليهود.. أتفهمون؟ ومن أراد منكم أن يتبعني.. فليتبعني.. وسأعيش هناك، إلى جوار المسجد الأموي العريق.. وعندما يؤذن المؤذن للصلاة،
فسأكون إلى جوار المنبر في الصف الأول..).

وتركهم وانصرف.
وعاد سليمان الحلاق هو الآخر إلى بيته، استقبله أهله بحرارة بالغة، لم يعتب عليه أبوه، ولم تلمه زوجه، بل فتحت ذراعيها لاستقباله، اليهود في الحارة يدركون أنه فتح الباب للفضيحة، وشهد ضد إخوانه، ولم يستطع أحد أن يسد الثغرة التي فتحها بيديه، ولم يكترث لذلك كثيراً، فهو وحده يعلم الظروف القاسية التي رزح تحت أعبائها، وليس حريصاً على أن يلتمس المعاذير لنفسه أو يشرح وجهة نظره لليهود، ولا يفكر مطلقاً في أن يدافع عن انهياره، سيان عنده أن يقول الناس لقد ضعف سليمان وخان الأمانة، أو يقولوا كان الله في عونه، لقد تحمل أقصى ما يستطيع، ولطاقة الاحتمال لدى الإنسان حدود.. فليقولوا ما شاءوا، لقد أراد أن يتخلص من هذه الورطة، وخرج إلى الوجود من جديد، الحياة عند سليمان أثمن وأعظم من المبادئ.. أروع شيء أن يعيش الإنسان، أما الموت والسجن فكلاهما أمر رهيب، من الصعب أن يطيقه البشر.

قالت له زوجه:
- (فيم تكفر يا سليمان؟؟).

قال بوضوح لا كذب فيه ولا زيف:
- (أفكر في نفسي وبيتي..).

قالت ببساطة:
- (هذا عين العقل..).

أردف سليمان شارداً:
- (وتعلمت شيئاً لا أنساه مطلقاً..).

- (ماذا..؟؟).

- (الأمن هو أعظم ما في الحياة..).

- (أجل..).

- (ولا يهم بعد ذلك يا زوجتي أن يكون الإنسان غنياً أو فقيراً، الأمن كنز ثمين وسعادة كبرى..).

قالت:
- (أو تعتقد أن اليهود سيتركونك في حالك..؟؟).

قال في ثقة:
- (لن يجرؤوا على أن يفعلوا شيئاً، لقد اعترفنا جميعاً.. ولا يجهل أحد الظروف التي أرغمتنا على إظهار الحقيقة..).

قالت وهي ترمقه في تساؤل:
- (ظنوا أنك على وشك أن تعتنق الإسلام كما فعل أبو العافية).

رد بهدوء:
- (لم أفكر في ذلك بعد أن وعدوني بالعفو.. كنت أريد العفو بأي ثمن وقد حصلت عليه).

قالت:
- (معنى ذلك أنك..).

قاطعها قائلاً:
- (أجل لو لم يكن هناك من وسيلة لأنقذ نفسي سوى الإسلام لفعلت، لكن الظروف لم تلجئني إلى ذلك لحسن الحظ.. قلت لك إن حياتي وأهل بيتي أهم لدي من كل مبادئ الدنيا..).

اقتربت منه ثم التصقت به وهمست في أذنه:
- (إني لجد سعيدة بأنك لا تفكر إلا في نفسك وأهل بيتك..).

نظر إليها في شوق ولهفة ثم توجه إلى أبنائه وقبلهم في حرارة وقال:
- (اذهبوا إلى جدكم في الحجرة الثانية..).

وأردفت زوجه:
- (هيا يا أحبائي.. أبوكم متعب ويريد أن ينام..).

عندما انصرف الأبناء قال سليمان في توتر:
- (ها قد عادت الأيام يا زوجتي.. وكان يجب أن تعود.. وبأي ثمن..).
ثم ضمها إلى صدره في شوق جائع..



وفي اليوم التالي ذهب إلى حانوته، في الطريق لاحقته العيون والتعليقات الهامسة، بعضهم اقترب منه وصافحه، وآخرون بصقوا على الأرض بالقرب منه، تناثرت من حوله كلمات بذيئة، تجاهل السخافات والتعليقات الجارحة، ثم فتح باب الحانوت، أزال الغبار عن المقاعد والآلات والنوافذ، وجلس ينتظر، وبقي فترة طويلة، دون أن يأتي إليه زبون ليحلق شعره، ليكن فالأمر يحتاج إلى وقت، وكثير من الناس لم يعلموا بنبأ خروجه، وكثير من اليهود سيقاطعونه بالتأكيد، هذه المقاطعة لن يعبأ بها، والزمن كفيل بمحو الكثير من سوء الظن.. وليس عليه سوى الصبر.. وقبيل الظهر فوجئ سليمان بأعداد كبيرة من الناس تهل عليه.. ابتسم خفية.. ثم بدأ يمارس عمله وسط الصمت المتوتر.. وبعد فترة لا يدري سليمان أطالت أم قصرت، وكان يحلق شعر طفل صغير، قال الطفل:
- (حاذر.. إياك أن تذبحني كما ذبحت البادري.. إنني أخاف منك خوفاً شديداً..).

وضجّ جميع الحاضرين بالضحك.

- (أنا لم أذبحه يا بني..).


وكان هذا الحديث العابر بداية لنقاش طويل، انهالت الأسئلة والاستفسارات على سليمان الحلاق، كان حذراً، حاول أن يهرب من الإجابة، ولم يشف شغفهم للحديث وكان يقول:
- (أنا رجل حلاق مسكين لا دخل لي بشيء..).

- (كيف مات يوسف لينيادو يا سليمان؟؟).

هنا استطاع أن يجيب:
- (كان مريضاً فمات.. لا دخل لأحد بموته.. لا تصدقوا ما يشاع، إنني أقول الحقيقة.. لم يتعرض لأي أذى..).

قال زبون يجلس قرب الباب:
- (وهناك شائعة تقول إن يوسف هراري هو الآخر مات..).

ردّ سليمان:
- (تركته مريضاً يصعد أنفاسه في صعوبة.. إن الشيخوخة والمرض لا يمكن أن يدعاه يعمر طويلاً.. أنتم تعلمون أنه مريض منذ زمن بعيد.. وأنا لا أكذب شائعة موته لقد تركته يحتضر..).

واقترب أحد الزبائن من سليمان وهمس:
- (أنت نذل..).

نظر إليه سليمان في رقة، لم يثـُر أو يحتد، وإنما قال:
- (سامحك الله..).

- (كان الأوفق أن تجلس في البيوت مع النساء..).

- (أنا لا أنقم عليك ولكني أرثي لحالك.. ولن تفهم لغتي لسبب بسيط، هو أنك لم تخض التجربة).

ثم التفت سليمان إلى الحاضرين وقال:
- (من عليه الدور في الحلاقة يتقدم..).


وواصل سليمان عمله دون اكتراث، لكنه لاحظ أن كثيراً من الأولاد والنسوة والفتيات والفتيان كانوا يمرون في الشارع أمام حانوته، ويسترقون النظر إليه، وكان سليمان يرى من خلف البراقع فضولاً كبيراً، وحاول ألا يهتم بذلك.


وفي المساء دُق باب بيت سليمان، وقال لزوجه في إصرار:
- (لا تفتحي الباب لأحد..).

- (لعله أحد الأصدقاء..).

- (ليس لي أصدقاء، ليذهبوا إلى الجحيم..).

- (لعله مريض يريد علاجاً منك..).

- (لن أمارس مهنة الطب بعد اليوم، تكفيني الحلاقة، ولن أذهب لبيت أحد، ولن أغادر بيتي في المساء لأي سبب كان..).

لكن الدق مستمر على الباب، قالت زوجه:
- (لسوف أذهب لأرى من الطارق دون أن أفتح الباب..).

عندما ذهبت إلى الباب هتفت بصوت خفيض:
- (من؟؟)

وجاءها صوت في الخارج:
- (افتحي.. أنا مراد الفتال.. افتحي.. إنني أعرف أنه هنا.. أريده لأمر هام..).

ترددت برهة، لكن سليمان أشار إليها بأن تفتح، ودخل مراد ومعه أستير، قال مراد:
- (حكموا على الباقين بالإعدام..).

قال سليمان ببرود:
- (هذا لا يهمني في كثير أو قليل..).

- (وأنا سأغادر دمشق.. أنا وأستير..).

قال سليمان هذه المرة دون اكتراث:
- (رافقتك السلامة..).

- (وأريد منك قرضاً بسيطاً..).

ضحك سليمان في سخرية:
- (خاوي الوفاض يا حبيبي..).

- (قلت لي في السجن إن لديك بعض المال المدخر..).

هتف في جفاف:
- (لا أريد أن أراك ثانية لقد انتهى كل ما بيننا..).

تساقط العرق على جبين أستير، وارتبك مراد، ثم وقفا، متجهين صوب الباب وبعد أن أغلق سليمان الباب، ضحك في شماتة وقال:
- (لم أعد أكترث لشيء، ولم أعد أعترف بشيء اسمه الصداقة أو الأخوة.. إنني لا أرى حولي إلا وحوشاً في غابة، هكذا الناس.. إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب.. هلمي إليّ يا زوجتي الحبيبة.. لقد أحرقني الخوف والحرمان وأريد أن أعيش.. أعيش لنفسي.. وليخرب الكون كله، وليذهب جميع حاخامات العالم إلى الجحيم.. ولتخرب أورشليم ألف مرة.. سيّان عندي إذا عاد المسيح الحقيقي أو لم يعد..).

ألقي القبض على أغلب المتهمين في قضية مقتل الخادم إبراهيم عمار، وتم فيها التحقيق على وجه دقيق، وصدر الحكم بإعدام المتهمين الذين ثبتت إدانتهم مثلما حدث في قضية الأب توما، وارتاح جمهور الناس لهذه الأحكام الرادعة العادلة..

وفي الرابع من صفر عام 1256هـ الموافق 22 أبريل سنة 1840 أرسل جناب قنصل فرنسا إلى الوالي شريف باشا خطاباً هذا نصه:

(أخبرت دولتكم بإفادتي نمرة 22 بأنه جاري دسائس خفية بخصوص اليهود المحبوسين، وقد علمت أن اثنين يهوديين أحدهما يدعى (ألياهو نحماد) من حلب والآخر (بتشوتو) الذي ورد اسمه في التحقيقات من قبل، وعدا أحد الرجال المشتركين في التحقيق بأن يعطياه مبلغاً كبيراً من المال، لكي يقول أقوالاً مخالفة لما جاء في أقوال المتهمين حتى الآن، وقد وعدوه ببعض آلاف الريالات، وحماية قنصلية، واقتضى تحريره..).

الكونت دي راتي مانتون – قونسلوس دولة فرانسا بالشام.




وردت مكاتبة أخرى من جناب القنصل إلى الباشا تحت رقم 22 مكرر يقول فيها:

(دولتلو أفندم..
من الواجب أن أضيف على كل ما ذكرته بتحريري السابق نمرة 22 المتعلق بمداخلات اليهود ودسائسهم، أن أحدهم طلب من أحد المنتمين لدولة أخرى غير الدولة الفرنساوية أن يجتمعا مع (شبلي أفندي) – موظف في القنصلية الفرنسية – ليتداولوا في قضية مهمة، فصرحت بهذا الاجتماع حباً في الوصول لمعرفة السبب، فقدم اليهودي هذه الطلبات الأربعة:

أولاً: التوقف عن ترجمة الكتب العبرية لأن ذلك مخل بحقوق الأمة اليهودية.

ثانياً: ألا يصير وضع هذه الترجمة أو شيء آخر يختص باليهود في دوسيه (ملف) القضية بل يلزم إعدام أو إتلاف كل ما ترجمه موسى أبو العافية (محمد أفندي أبو العافية).

ثالثاً: أن يصير التوسط لديّ لكي أستحصل من دولتكم على الإفراج عن أحد المتهمين (المعلم روفائيل فارحي)، وهو متهم في قضية الخادم..

رابعاً: أن تجري الوسائط لإبدال جزاء الإعدام المحكوم به على المتهمين بأي عقوبة أخرى.. وبعد انتهاء ما تقدم ذكره يصير دفع خمسمائة ألف قرش (خمسة آلاف دينار عثماني ذهباً) منها مائة وخمسون ألف وقت التصريح بالرضا، والباقي عند نهاية القضية، وإن موظفنا شبلي مفوض في توزيع هذا المبلغ حسبما يراه موافقاً (..........................)

ولديّ كيس به بضعة آلاف من القروش أحضره أحد اليهود، وقد حفظته بصفة أمانة لحين إجراء التحقيق.. الخ).

إمضاء
الكونت دي راتي مانتون – قونسلوس فرانسا بالشام.



وبناء على هذه الإفادات بدأ تحقيق آخر في قضية الرشوة التي أخطر عنها القنصل الفرنسي، وكانت الإدانة واضحة جلية.


كانت كاميليا على علم تام بما يجري من محاولات لإنقاذ المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام، وكانت على اتصال بكبار اليهود الذين تزعموا هذه العملية، وخاصة بتشوتو، اليهودي الذي اتهم في قضية الخادم إبراهيم عمار، وشهد عليه الشهود، والذي ظل يتمتع بقسط كبير من الحرية لأنه تحت حماية دولة النمسا.. ولم يفارق (كاميليا) قلقها طوال هذه المدة.. لأنها تخاف المفاجآت، ما يحدث لو فوجئت ذات يوم بجثة زوجها تسلم إليها كما حدث ليوسف هراري، ويوسف لينيادو؟؟ كانت تغمض عينيها عندما ترد هذه الخواطر على ذهنها، وتحاول جاهدة أن تبعدها عنها.. إنها بالتأكيد اليوم لا تريد لزوجها أن ينتهي تلك النهاية المحزنة، هل هي تحبه؟؟ سؤال صعب الإجابة، أهي تكرهه؟ مثل هذه الأسئلة لم تكن تستطيع في الحقيقة أن تجيب عليها بكلمة واحدة حاسمة، لا تستطيع أن تقول (لا) أو تقول (نعم) خالصة من الظلال أو الغموض.. بالأمس كانت تخونه، وكانت تدرك أن هذه الخيانة لها معنى سيء يرفضه المجتمع، ويزعج زوجها لو علم بها، كانت مؤمنة أنها تفعل فعلاً خاطئاً لكنها – مع ذلك – كانت تفعله، وكانت تفترض أن زوجها رافض له، بل قد يسفك دمها لو علم به، وتتصور زوجها غاضب الوجه، مشمئز النظرات، يريد أن ينشب فيها أظافره وأنيابه، كذئب شرس، هذه الصورة المتخيلة لزوجها كانت تثير الكراهية له في نفسها، أما زوجها الذي تعايشه وتخاطبه، ويرق لها ويبتسم عند رؤيتها، ويحاول مراضاتها بشتى الطرق، فهو نموذج آخر غير النموذج المتخيل الرهيب، لم تكن تحمل لتلك الشخصية الباسمة الرقيقة كراهية ولا حقداً، كان زوجها إذن شخصيتين لا شخصية واحدة، وكانت تكره واحدة منها وتحترم الأخرى، وكانت تهرب من هذا التمزق النفسي العنيف إلى الخمر وإلى أحضان الخادم، ويوماً كان لها فلسفة غريبة مفادها أنها تحب زوجها لكنه لا يؤدي معها وظيفة الرجل، وكانت فلسفتها الغريبة تزعم لها أن لها الحق في أن تسد الفراغ القاتل في حياتها، أو النقص القائم في زوجها بأية طريقة، ولو مع خادم.. وما أن جاءت الكارثة، وأُخذ زوجها إلى السجن حتى شعرت بالحرية.. ذاب خوفها ولم تعد تخاف رجلها الشرعي.. فانطلقت تعربد حتى أفاقت على الحقيقة المرّة، حينما أمسكت بها الخادمة أستير وهي في الوضع الشائن، بعدها أفاقت إلى نفسها، أخذت الصورة الكريهة لزوجها تذوي مع الأيام، وانصرفت إلى تتبع المأساة، وبعد فترة لا تدري أطالت أم قصرت، وجدت نفسها تقدس ذكرى زوجها وأياديه البيضاء عليها، وتعودت على الصوم.. ربما عانت الكثير في أيام صومها الأولى لكنها الآن تستطيع أن تصمد.. ومن آن لآخر تراودها خيالات اللذة الآثمة، لكنها سرعان ما تثوب إلى

خالد النبهان
Admin

عدد المساهمات : 115
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 29/12/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى